الهديل

خاص الهديل: حروب إسرائيل الثلاث خلال شهر رمضان: “تهويد القدس” و”تهجير غزة والضفة” و”رسم حدود ردع جديدة مع لبنان”..

 

خاص الهديل

بقلم: ناصر شرارة

لم يكن قرار نتنياهو بالإنحياز لوجهة نظر ايتمار بن غفير بخصوص تقييد حرية صلاة الفلسطينيين في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، أمراً مستغرباً؛ ذلك لأن نتنياهو مقتنع مثل بن غفير وسيموتريتش و”الكهانيين” المتطرفين، بأن خيار تصعيد العنف حتى الحد الأقصى ضد الفلسطينيين في كل مناطق الـ٤٨ والـ٦٧ هو الحل الأنسب لتحقيق أمن إسرائيل الدائم.

 

قبيل موافقة نتنياهو على قرار طرحه بن غفير يمنع غالبية الفلسطينيين تقريباً من الصلاة في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، كان الشاباك المسؤول عن الأمن الداخلي في إسرائيل، أصدر “تحذيراً إستراتيجياً” يحث فيه المستوى السياسي في إسرائيل على عدم الموافقة على وجهة نظر بن غفير بخصوص التشدد بموضوع منع الفلسطينيين من الصلاة بالمسجد الأقصى خلال رمضان؛ واقترح تخفيف “إجراءات المنع” بحيث يسمح لمن هم فوق الخمسين عاماً من الفلسطينيين من حملة الهويات الإسرائيلية الزرقاء بالصلاة، الخ.. والمهم هنا هو أن “تحذير الشاباك الإستراتيجي” قال بوضوح أن عمل الحكومة باقتراح بن غفير الذي يمنع من هم دون السبعين عاماً من الفلسطينين من الصلاة بالمسجد الأقصى خلال شهر رمضان، يساوي عملياً أن “إسرائيل تلعب بالنار”.

 

وفور إعلان قرار نتنياهو بمنع الصلاة لغالبية الفلسطينيين في خلال رمضان أصدرت الهيئات الفلسطينية داخل فلسطين المحتلة إعلانات وبيانات قالت فيها أن هذا القرار هو بمثابة إعلان حرب شاملة وهو يهدد بتفريغ هوية المسجد الأقصى الإسلامية.

 

بات واضحاً أن نتنياهو اتخذ قرار أخذ حرب غزة ليس فقط إلى “كمين رفح” الذي سيفتح باب البدء بالترانسفير الفلسطيني على مصراعيه؛ بل قرر أيضاً وبالتوازي أخذها إلى البدء بتطبيق شن حرب تفريغ المسجد الأقصى من هويته الإسلامية، توصلاً لتجسيد واقع الدولة اليهودية.

 

وعلى هذا فإنه بدءً من يوم ١٠ الشهر القادم وهو موعد حلول شهر رمضان فإن إسرائيل ستكون على موعد مع فتح ثلاث حروب إستراتيجية في المنطقة وداخل فلسطين التاريخية؛ وهذه الحروب هي التالية: 

 

الحرب الأولى هو حرب تهجير فلسطينيي غزة؛ وسوف يتم ذلك من خلال اقتحام الجيش الإسرائيلي لمدينة رفح التي يحتشد بها اليوم ثلثي سكان غزة.. 

 

يحاول نتنياهو في هذه اللحظة إشغال العالم بعملية تفاوض واهية تجري هاتفياً بينه وبين بايدن حول كيفية تنفيذ خطتين في رفح: الأولى دخول الجيش الإسرائيلي للمدينة والثانية إخلاء فلسطيني غزة من المدينة.

 

والترجمة العملية والسياسية لهذا النوع من التفاوض بين بايدن ونتنياهو تفيد أن البيت الأبيض أعطى موافقته على شن نتنياهو حرباً على رفح من جهة، وأنه أعطى من جهة ثانية موافقته على تهجير ثلثي مواطني غزة من رفح من دون أن تتضمن هذه الموافقة الأميركية، جواباً على سؤال جوهري وهو إلى أين سيهاجر أو سينزح ثلثي سكان غزة الموجودين الآن في رفح؟؟.

طبعاً لن يكون بإمكان هؤلاء العودة إلى مناطقهم في شمال غزة المدمرة بنسبة ٧٠ بالمئة منها، والتي تنعدم فيها أسباب الحياة بنسبة ٩٠ بالمئة (لا مستشفيات ولا بنى تحتية)؛ ولن يكون بإمكانهم أيضاً العودة إلى منطقة وسط غزة التي تتموضع بها القوات الإسرائيلية ضمن مهمتها لتنفيذ هدف شطر غزة إلى قسمين شمالي وجنوبي؛ وعليه فإن السبيل الوحيد الذي سيبقى أمام ثلثي سكان أهل غزة هو الهجرة إلى خارج غزة على مراحل وبالتتالي..

 

وجوهر هذا المخطط هو أن يبقى في غزة ثلث سكانها فقط؛ على أن يعيش هؤلاء تحت احتلال أمني أسرائيلي، وتحت إشراف إدارة محلية تابعة لإسرائيل؛ في حين يتم إحاطة غزة “بحزام قتل” وليس فقط بحزام أمني؛ بمعنى أن كل شخص يدخل من قطاع غزة إلى داخل هذا الحزم، يتم قتله.

 

الحرب الثانية تتمثل بنقل حرب تهجير غزة إلى الضفة الغربية والقدس؛ ويجدر هنا الإشارة إلى أن نتنياهو اعتبر تحذير الشاباك من تداعيات منع الفلسطينيين من الصلاة في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، بمثابة فرصة لإسرائيل وليس خطراً على إسرائيل؛ بمعنى آخر فإن نتنياهو يريد دفع الوضع في القدس وفي الضفة الغربية إلى الاشتعال، وهدفه من ذلك شن حملة تهجير لفلسطيني الضفة الغربية باتجاه الأردن، وأيضاً شن حملة لتهويد القدس، وكل ذلك سيقوم به نتنياهو تحت عنوان أنه يدافع عن أمن إسرائيل بوجه محاولة الفلسطينيين نقل حرب ٧ أكتوبر وعملية طوفان الأقصى إلى داخل إسرائيل وإلى الضفة الغربية..

 

نقطة التحول الخطرة التي تشهدها حرب غزة في هذه اللحظة تكمن في أن معسكر اليمين، بدأ يرى أنه صار بإمكانه الآن استغلال ما حدث يوم ٧ أكتوبر، باتجاه تحقيق أهداف إسرائيل الإستراتيجية، وهي تهويد القدس وتهجير ثلثي غزة والضفة الغربية. ومن وجهة نظر معسكر اليمين القابض حالياً على قرار تل أبيب، فإن الظرف الراهن موات لتحقيق هذه الأهداف؛ أولاً لأن الرأي العام الرسمي الدولي – وليس مهماً الرأي العام الشعبي – هو حالياً في موقع المؤيد لأي فعل تقوم به إسرائيل رداً على يوم ٧ أكتوبر؛ وثانياً لأن إدارة البيت الأبيض عالقة في لحظة انتخابات وهي مقيدة بحساباتها؛ أضف إلى ذلك أن بايدن مضطر لانتهاج سياسة تجاه إسرائيل تنسجم مع موقف الكونغرس الذي يؤيد ٩٠ بالمئة منه، مواقف إسرائيل في حرب غزة.

الحرب الثالثة ستوجه ضد لبنان وسيكون هدفها رسم واقع سياسي جديد للحدود إسرائيل الشمالية، وتأكيد معادلة الردع الإسرائيلية الإقليمية.

Exit mobile version