خاص الهديل
بقلم: ناصر شرارة
بعد وقت قصير من قصف إسرائيل لأهداف مدنية في بلدة الغازية الواقعة في عمق جنوب لبنان بالقرب من مدينة صيدا عاصمة الجنوب، دعا المتحدث بإسم الجيش الإسرائيلي إلى مؤتمر صحفي سارع للإعلان فيه عن أن الغارة الإسرائيلية في بلدة الغازية هي رد إسرائيلي على هجوم حزب الله بمسيرة على مدينة طبريا.
والواقع أن مسارعة تل أبيب كي تطلق هذا الإعلان، إنما عبّر عن وجود رغبة لديها لإيصال رسالتين إثنتين عاجلتين:
الرسالة الأولى مزدوجة وهي موجهة في وقت واحد لكل من حزب الله من جهة وللأميركيين من جهة ثانية؛ ومفاد الرسالة الموجهة لواشنطن هو أن هجوم الغازية من قبل الجيش الإسرائيلي لا يعبر عن نهج إسرائيلي جديد يرمي لتوسيع الحرب، أو يعبّر عن سلوك عسكري إسرائيلي مع لبنان، يناقض موقف إدارة بايدن التي لا تريد توسع حرب غزة لتصبح حرباً إقليمية؛ بل هو (أي القصف في الغازية) بمثابة عمل عسكري يطبق قاعدة “الرد المتناسب”؛ ويجري في سياق “رد فعل” على قيام حزب الله بخرق قواعد الاشتباك من خلال استهدافه مدينة طبرية بمسيرة هجومية؛ أما رسالة تل أبيب الثانية فهي موجهة لحزب الله، ومفادها أن إسرائيل لا تريد توسيع ميدان الحرب، ولكنها بنفس الوقت عازمة على إستكمال وضع معادلات تخص الجبهة الشمالية، وقوام هذه المعادلات حتى الآن هي التالية: “النبطية بمقابل صفد”، “وصيدا بمقابل طبريا”، الخ..
الرسالة الثاني التي حملتها الغارة الإسرائيلية على الغازية، تأخذ تعبيرها من طبيعة التوقيت التي تجري فيه؛ والمقصود هنا أنها تأتي في سياق الحذر الكبير المخيم على كل المنطقة نتيجة التحضيرات الإسرائيلية لبدء معركة رفح من ناحية، والبدء من ناحية ثانية بحرب السيطرة على المسجد الأقصى خلال شهر رمضان..
والواقع أن كلاً من حزب الله وإسرائيل يدركان أن المواجهات بينهما ستدخل “مرحلة التوتر الشديد” خلال المرحلة القادمة التي ستشهد تطورين إثنين سيكون لهما تداعيات على كل المنطقة، وبالأخص على جبهة المواجهات على ضفتي الحدود اللبنانية – الإسرائيلية؛ التطور الأول يتمثل بتوقع بدء معركة رفح التي يصر نتنياهو على خوضها سواء تم التوصل إلى اتفاق تبادل للأسرى أو لم يتم ذلك؛ والتطور الثاني وهو إستحقاق شهر رمضان الذي سيشهد حسب كل التوقعات بدء الحرب على الجبهة الثالثة، وميدانها الضفة الغربية والقدس ومناطق العام ١٩٤٨.
إن هذين التطورين يتحسب لهما كل من الحزب وإسرائيل، على اعتبار أن وقائعهما قد تدفع على الأرجح بمنسوب التصعيد على الجبهة الشمالية إلى الانزلاق لحرب شاملة؛ ومن هنا يقوم الطرفان بتكثيف العمليات العسكرية التي يطيّر من خلالها رسائل التحذير للطرف الآخر؛ وضمن هذا السياق يعتبر قصف إسرائيل لأهداف في الغازية هو إحدى رسائل التحذير الإسرائيلية، بمقابل رسالة التحذير التي أرسلها الحزب عبر استهداف طبرية بمسيرة هجومية.
السؤال الآن هو عما إذا كانت رسائل النار بين الحزب وإسرائيل ستتوقف عند هذا الحد؛ أم أنها ستتصاعد لتصبح “حرب رسائل” متفلتة من عقال ضبطها، بحيث تصبح حرباً لا تقل حدة عن حرب المواجهات الجارية فوق ميدان ال٥ كلم المضبوط.