من صباح 7 تشرين الأول حتى مغادرته القطاع.. وائل الدحدوح يروي تفاصيل ما شھدھ خلال الحرب
كشف مدير مكتب “الجزيرة” ومراسلها في غزة وائل الدحدوح عن تفاصيل جديدة لما شهد عليه في العدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع.
وتحدث الدحدوح، في حوار مع بودكاست “أسئلة الحدث” عبر منصة “أثير” التابعة لشبكة الجزيرة الإعلامية، عن صباح السابع من تشرين الأول الماضي، عندما أطلقت المقاومة الفلسطينية عملية “طوفان الأقصى”، مشيراً إلى أنه أدرك أن “أمرا كبيرا يحدث” بعد انطلاق الصواريخ بشكل كثيف نحو “إسرائيل”.
وأضاف الدحدوح “أخبرت أسرتي أن يستعدوا لحرب قد تستمر من 3 إلى 4 أشهر، وغادرت نحو مكتب الجزيرة، بينما بدأت مشاهد اقتحام المواقع الإسرائيلية تتوالى، وكذلك مشاهد جلب الأسرى الإسرائيليين إلى داخل القطاع”.
وأعرب الدحدوح عن اعتقاده أن المقاومة الفلسطينية “لم تكن تُدرك بأن عمليتها ستكون بهذا النجاح”، وأن الرد “الإسرائيلي” لم يكن في حدود ما يمكن توقعه.
وأضاف أن “الرد الإسرائيلي جاء على شكل انتقام جماعي”، استهدف الأبراج السكنية والمؤسسات المدنية الحيوية والبنى التحتية.
ورغم ذلك، فإن الدحدوح يرى أن “ما بعد السابع من تشرين الأول لن يكون أبدا كما قبله”، مشيراً إلى انكسار “هيبة” الاحتلال التي توارثتها الأجيال، من جهة، وانكشاف الوجه الحقيقي لـ “إسرائيل حتى في المعاقل الداعمة لروايتها في الغرب” من جهة أخرى، حسب تعبيره.
وإستحوذت ما يمكن تسميتها “نكبة آل الدحدوح” على حيز من حوار “أسئلة الحدث”، بدءا بمجزرة النصيرات التي راح ضحيتها عدد كبير من أفراد أسرة الدحدوح، بمن فيهم زوجته واثنان من أبنائه بالإضافة إلى حفيده الرضيع، مرورا بتدمير منزله، ثم إصابته واستشهاد زميله المصور سامر أبو دقة أمام عينيه، ثم استشهاد نجله البكر الصحفي حمزة الدحدوح.
وكشف عن مواصلة الاستخبارات “الإسرائيلية” ملاحقة الناجين من أسرته بعد المجزرة التي وقعت نهاية الأسبوع الثالث للحرب، لافتاً إلى أنه نقل معه عددا من الناجين من أسرته إلى مدينة غزة.
وقال “إما أن نعيش معا أو نموت معا”، لكن “المخابرات الإسرائيلية” اتصلت على هاتف ابنته في أثناء وجودهم في مستشفى الشفاء، وأخبرتها بضرورة التوجه جنوبا، علما أن انتقالهم إلى النصيرات منذ البداية كان في إطار السعي للاحتماء بالمناطق التي حث الاحتلال المدنيين على التوجه نحوها باعتبارها “آمنة”.
وفي سياق حديثه عن تفاصيل إصابته واستشهاد الزميل المصور في قناة “الجزيرة” سامر أبو دقة، قال الدحدوح إنهما توجها إلى منطقة ساخنة في خان يونس مع فريق من الدفاع المدني الفلسطيني، الذي كان في مهمة إنقاذ بتنسيق مع الصليب الأحمر الذي أكد وجود موافقة من الجانب “الإسرائيلي”.
وأشار إلى أن حجم الدمار الهائل في المنطقة اضطر فريق الدفاع المدني إلى اتخاذ قرار بالمضي في المهمة سيرا على الأقدام.
وفي أثناء سير وائل وسامر مع 3 مسعفين، وبالرغم من التنسيق المسبق والمُراقبة والمواكبة الحثيثة لطيران ومُسيّرات جيش الإحتلال الإسرائيلي، فإن المجموعة تعرّضت لغارة عنيفة، أدرك الدحدوح لاحقا أنها قد تسببت في إلقائه بعيدا وفقدانه الوعي والسمع لفترة، قبل أن يتفطن إلى أن ذراعه تنزف بشدة.
وقال إن “ما كان يسيطر على تفكيري ومُخيّلتي في تلك اللحظات هو أن صاروخا آخر سيأتي الآن، بالنظر إلى تجربتنا مع السلوك الإسرائيلي، خصوصا إذا كان الصاروخ الأول لم يف بالغرض بالنسبة لهم”.
وأضاف “قلت لنفسي في تلك اللحظة هذه هي النهاية يا أبا حمزة”، مشيراً إلى أن الغارة كانت قد أسفرت عن استشهاد المُسعفين الثلاثة على الفور، في حين كان سامر مُلقى على طرف بعيد، ولاحظ أن رأسه يتحرك وعلى قيد الحياة.
وتابع: “بحالتي تلك، أدركت أنني لن أتمكن من مساعدته، وأنه لن يقوى على القيام، والصاروخ الثاني سيدهمنا بعد لحظات، فقررت أن أحاول الوصول إلى مكان سيارات الإسعاف لطلب المساعدة”.
وإلى جانب صعوبة دخول سيارات الإسعاف إلى المنطقة جراء الدمار الواسع، لفت الدحدوح إلى أن الاتصالات المُكثفة التي بدأت على الفور من غزة والقدس والدوحة للتسريع بعملية التنسيق لإنقاذ أبو دقة تعامل معها الاحتلال بسياسة المماطلة.
وبالرغم من الموافقة “الإسرائيلية”، فإن الصليب الأحمر رفض توفير سيارة إسعاف لصالح الهلال الأحمر الفلسطيني ومرافقته في عملية الإنقاذ، حسب الدحدوح.
وقال: “ما بين الموافقة الإسرائيلية، وبين طلب سيارات الإسعاف، استغرق الأمر بين 5 إلى 6 ساعات، وعندما ذهبوا وجدوا أن الزميل سامر قد استشهد، رحمة الله عليه، ووجدوا، وهذا هو الجديد؛ وجدوا أن سامر كان قد تحرر من درع الصحافة، وحاول أن يزحف، لكنهم استهدفوه بصاروخ آخر فاستشهد”.
بكثير من الألم، تحدث الدحدوح عن استشهاد نجله البكر حمزة، في استهداف مباشر لسيارة كان يستقلها مع أحد زملائه في رفح، في السابع من كانون الثاني الماضي.
واعتبر أن ما يجري في غزة “يفوق قدرة البشر على التحمّل”، وأن أهالي القطاع المُحاصر مصممون على الصبر والصمود بالرغم من ذلك، “بل ويحرصون على صناعة الحياة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا”.
وقال: “بالحسابات البسيطة، لا سبيل لتحمل كل هذه الآلام، ولا تفسير ولا منطقية أبدا، ولكن لعل الله سبحانه وتعالى هو من يربط على القلوب”.
وأشار إلى أن خروجه من قطاع غزة منحه القدرة على رؤية الصورة الأوسع لتأثيرات ما يجري في قطاع غزة على العالم، لافتا إلى أن صورة “إسرائيل” قد اهتزت حتى في المعاقل الرئيسية الداعمة لروايتها في الغرب.
وأضاف أن التغييرات التي أحدثتها الحرب على العالم “لو رصدت لها كل الإمكانيات وكل الإعلاميين وكل الفضائيات لما حدثت”.
وبشأن العودة إلى العمل الميداني في غزة، قال الدحدوح إن “الترجّل غير وارد في القاموس، وغزة تبقى هي الأساس”، مُستدركا بالإشارة إلى صعوبة إصابته في ذراعه اليُمنى، التي تحتاج إلى سنة من المُتابعة الطبية بعد إجراء عملية ترميم العصب، لتعود إلى نحو 60% من الكفاءة، وفق التقديرات المُتفائلة للأطباء.
وختم بالقول: “نأمل من الله أن تعود كما كانت وأفضل، ولذلك فإن الخيارات غير واضحة تماما في الوقت الراهن، لكن قلوبنا معلقة بقطاع غزة وفلسطين، ولعل الأمور تصبح أوضح خلال الأسابيع المقبلة، وأن تكون في النهاية مجرد استراحة محارب”.