خاص الهديل:
بقلم: ناصر شرارة
يبدو بوضوح أن المواجهات العسكرية في جنوب لبنان دخلت على المقلب الإسرائيلي في لحظة جديدة، وباتت تتفاعل ضمن رؤية إسرائيلية تسعى ليس فقط لوضع “مسدس التدمير” على الطاولة؛ بل المباشرة بتوجيه فوهته للتهديد باستعماله ضد كل لبنان، وليس فقط داخل ميدان الـ٥ كلم أو داخل ميدان جنوب لبنان.
وضمن هذا السياق، فإنه يجدر النظر إلى الغارة الإسرائيلية على المنطقة الصناعية في الغازية، بوصفها الطلقة الأولى التي يوجهها العدو إلى لبنان من “مسدس التدمير” الذي لا ينفك يشهره منذ ما قبل ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ غالانت، وقبله ازنكوت الذي تحدث قبل سنوات عن “مبدأ الضاحية” (أي منهجية التدمير)، وبالتزامن معهما غانتس، وأيضاً دائماً نتنياهو.
وكمدخل لتتبع هذا التوجه الإسرائيلي، يجدر منذ البداية، لحظ معطى خطر للغاية، قوامه أن كل أعضاء كابينيت الحرب الإسرائيلي، يجمعون على أجندة عمل ضد لبنان، تتضمن بنداً أساسياً يقول أن “الدواء الأنجع”، و”الأوحد” الذي يشفي “أمن إسرائيل” من “صداع حزب الله” هو سلاح تدمير لبنان؛ الذي سيكون له أيضاً – ودائماً من وجهة نظر إسرائيل – تأثير كبير على تحقيق هدف جعل الدولة اللبنانية والشعب اللبناني ينقلبان على حزب الله!!
والواقع أنه كلما اقترب التوغل البري الإسرائيلي في غزة من الوصول إلى رفح التي هي نهاية أهدافه، حسب الخطة الإسرائيلية، فإن “جنرالات السياسة والحرب” في إسرائيل يزيدون من وتيرة تطيير رسائل التهديد الشفهية والعسكرية للبنان بأنه سيواجه نفس المصير الذي طال غزة من التدمير والتهجير.
ضمن هذا السياق يجدر تفكيك شيفرة رسالة غارة الغازية التي استهدفت أولاً “منطقة صناعية”، ما يعني أن إسرائيل أضافت منذ هذا الوقت المبكر من المواجهة مع لبنان، لأهداف حربها الشاملة أو الجزئية كما هو الحال اليوم، “هدف تدمير البنى الاقتصادية للبنان”؛ وغارة الغازية الواقعة على كتف مدينة صيدا، تعتبر “نموذجاً” للبدء بتنفيذ هذا التوجه، حسب “تلميح غالانت” الذي عقب على الغارة قائلاً: انظروا ما حصل في صيدا، وهذا ما سيحصل في بيروت، الخ..
ثانياً- إن غارة الغازية ودائماً وفق “تلميح غالانت” لم يتم تصميمها من قبل الكابينيت كي تستهدف مستودع أسلحة تابع لحزب الله، بغض النظر عما إذا كان هذا المستودع موجوداً في تلك المنطقة أم لم يكن موجوداً؛ بل تم تصميمها بالأساس للقول أن الحزب يخفي أسلحته وذخائره بين البنى السكنية والاقتصادية المدنية اللبنانية، ما يضطر إسرائيل الآن، وسيضطرها لاحقاً، لقصف هذه البنى بنفس مستوى العنف التي قصفت فيه بنى غزة المدنية التي اختفت حماس بين ظهرانيها!!
كانت هذه الخلفية التي وجهت غارة إسرائيل على الغازية واضحة بجلاء، بدليل أن الطائرات الإسرائيلية استهدفت مستودعين في الغازية، في حين أن بلاغ إسرائيل العسكري تحدث عن مستودع سلاح واحد؛ وإذا كان المتحدث بإسم الجيش الإسرائيلي يقول أنه تم استهداف مستودعاً للسلاح التابع للحزب؛ فلماذا إذن تم قصف مستودعين إثنين؟؟.. لكن الدليل الأبرز على أن غارة الغازية تريد الاستثمار في “بيدر التهديد” ببدء مرحلة قصف البنى الاقتصادية في لبنان، وخاصة في جنوب لبنان، تجسد بقيام “الموساد” بعد ساعات قليلة من غارة الغازية على مستودعات تجارية بحجة أنها مستودع سلاح للحزب، بنشر خارطة ادعت أنها لأنفاق حزب الله الموجودة في جبيل وكسروان!!
مجرد وضع كل هذه المعطيات الإسرائيلية التي صدرت عن تل أبيب خلال الساعات الأربع والعشرين الأخيرة، داخل إطار واحد، يقود إلى رسم صورة تؤكد بأن “مجتمع الحرب” في إسرائيل يتجه لتفعيل “مسدس تدمير لبنان” وفق خطة متمرحلة تبدأ بتهديد ما يمكن تسميته مجازاً “بالاقتصاد الشيعي” في جنوب لبنان (غارة الغازية)، ومن ثم تطوير هذا التهديد – وبوقت واحد – لصالح إرسال “طلقات تحذرية إعلامية” ضد الاقتصاد اللبناني العام الذي يقع في آخر نقطة إلى الشمال من لبنان في كسروان وجبيل (نشر خارطة الموساد)!!
وبالمحصلة فإن الخطة الإسرائيلية، تريد جعل حزب الله يقع تحت عبء أنه بمواجهة قدرة تل أبيب على جعل كل الديموغرافية الشيعية في لبنان من الجنوب إلى البقاع إلى أعالي جبيل وكسروان، مطاردة ومتهمة داخلياً وعالمياً بإيواء سلاح حزب الله بين ظهرانيها.