خاص الهديل
كتب بسام عفيفي:
لا يوجد لبناني واحد في بلد الأرز لا يعتقد بثقة أن الشيخ خلف الحبتور هو صديق مخلص وشجاع ومحب للبنان.. وهناك في الواقع عشرات الشواهد العملية التي قدمها خلف الحبتور للبنان على مدى سنوات طويلة، تؤكد هذا الأمر؛ وعليه، وبالمقابل أيضاً، لا يوجد لبناني واحد في لبنان لا يعتقد بأن الدولة اللبنانية ارتكبت خطيئة وليس فقط خطأ بحق الحبتور؛ فهذا الفارس أقدم على ضخ أموال واستثمارات ضخمة في الإقتصاد اللبناني بكل جرأة وفروسية وذلك في وقت امتنع الكثيرون عن الاستثمار في لبنان بل قاموا بسحب استثمارتهم في لبنان؛ وبدل أن تكافأ الدولة اللبنانية فروسية وجمائل خلف الحبتور قامت بالمس باستثماراته وأمواله في لبنان حتى لا نقول بسرقتها وتبديدها..
واليوم يرفع الشيخ خلف الحبتور صوته، ومعه وقبله الكثيرون من اللبنانيين الذين يصرون على عدم نسيان جمائله المستمرة للبنان؛ مطالبين الدولة والحكومة اللبنانية بتسوية هذه الخطيئة وإعادة الحق إلى حقه..
وضمن هذا السياق أرسلت شركة محامين أميركية مكلفة بمتابعة هذا الملف مع لبنان بإسم مجموعة الحبتور رسالة مفتوحة إلى الحكومة اللبنانية تم الإعراب فيها عن قلق مجموعة الحبتور الكبير على استثماراتها ومشاريعها بخاصة وعلى الإستثمارات الخليجية بعامة في الجمهورية اللبنانية. وعبرت هذه الرسالة بوضوح عن الاستياء لدى مجموعة الحبتور والمستثمرين الخليجين بعامة من واقع صدور إشارات قوية من جهات رسمية لبنانية عن ضياع الإستثمارات وخاصة الأموال الخليجية الضخمة، وبضمنها أموال مجموعة خلف الحبتور، المودعة في المصارف اللبنانية!!.
والحق يقال أن الرسالة المفتوحة التي أرسلتها شركة المحامين المكلفة من مجموعة الحبتور، وذلك منذ وقت غير قصير نسبياً إلى الحكومة اللبنانية، فجرت أزمة إضافية بخصوص هذا الموضوع بدل أن تفتح كوة حل في الجدار الصلد؛ والسبب في حصول ذلك يعود لكون الحكومة اللبنانية لم تعر هذه الرسالة الأهمية المطلوبة وتعاملت معها بوصفها غيمة صيف عابرة؛ ولكن الدولة اللبنانية والحكومة تخطئان تقدير الموقف فيما لو اعتبرتا أنه يمكن القفز بسهولة على مطالب مجموعة الحبتور!!.
مبدئياً يجب الإشارة إلى أن الرسالة المفتوحة فندت الأسباب التي قادت مجموعة الحبتور لمطالبة الدولة اللبنانية بتلبية وعودها بحماية استثماراتها وأموالها في المصارف؛ وعددت أيضاً ما هي الواجبات التي على الدولة والحكومة أن يقوما بها..
يبقى هنا سؤال هام يطرح نفسه وهو عن السبب الذي قادت مجموعة الحبتور لبدء مسار قانوني لاستعادة حقوقها في لبنان المهددة بأن تصبح مهدورة؟؟.
أولاً، هناك سبب أخلاقي قبل أن يكون مادياً.. وهو ورد التلميح إليه في الرسالة المفتوحة عينها للحكومة اللبنانية، وجاء في نصه أن “مجموعة الحبتور استثمرت في لبنان حينما كان الجميع يمتنع عن الاستثمار فيه، أو يخرج استثماراته منه”..
الحق يقال أن الشيخ خلف الحبتور تعامل بأخلاق فارس على مستوى ترجمة حبه للبنان حيث قرر في “لحظة ضيق لبنان” أن يكون صديقه الشجاع والوفي؛ ولكن الدولة في لبنان لم تقابل فروسية الحبتور وحبه للبنان بذات الفروسية والوفاء، بدليل أنها لم تقم بحماية استثماراته، بل بصراحة قامت باختلاسها أو بأقل تعبير قامت بتبديدها من قبل فاسدين هم في الواقع تحالف يتألف من سياسيين ومسؤوليين حكوميين لبنانيين، وأصحاب أسهم في المصارف اللبنانية التي تحتجز اليوم أموال مودعيها ولا تفرج عنهم بحجة أزمتها المالية الخانقة وذلك بغطاء من الدولة والمصرف المركزي..
هناك في الحقيقة أمران إثنان يجب أن يعرفهما المواطن اللبناني بخصوص هذه القضية:
الأمر الأول هو أن محاميي الشركة الأميركية التي تتابع هذا الموضوع بإسم مجموعة الحبتور مع لبنان، قامت بأكثر من تحرك لفتح حوار مع الدولة أو الحكومة اللبنانية لمعالجة هذا الأمر بجو هادئ؛ لكن لا الدولة ولا الحكومة تفاعلت إيجاباً مع هذه المحاولات؛ ما أدى إلى تعمق الإحساس لدى محاميي الشركة بأن هذه القضية ليس سببها أزمة إفلاس أو تعثرات اقتصادية ومالية؛ بل سببها الحقيقي هو “أزمة سرقة” و”تبديد فاضح” لأموال واستثمارات مجموعة الحبتور وأيضاً لباقي المجموعات الاستثمارية العربية الخليجية التي لها مشاريع واستثمارات وأموال في مصارف لبنان.
.. وعليه فإن هناك واجب على الإعلام اللبناني بدرجة أولى أن يتحرك بسرعة للضغط على الدولة كي تتفاعل إيجاباً مع تحرك شركة المحاماة المكلفة من مجموعة الحبتور باسترداد استثماراتها وأموالها الضائعة في لبنان، وذلك بدل أن تستمر (أي الدولة) بإهمال هذه القضية حسبما هو حاصل حتى اليوم..
.. ببساطة “عيب” أن لا تجيب الدولة اللبنانية على سؤال أو طلب حق، يصدر عن جهة لها مكانة أنها صديق لبنان الوفي في وقت الضيق والوضع الصعب؛ أي الشيخ خلف الحبتور.
الأمر الثاني الذي يجب هذه المرة على الحكومة اللبنانية، ومعها كل الدولة اللبنانية أن تدركه بوضوح هو أن مجموعة الحبتور قادرة على متابعة هذا الملف حتى النهاية. وهنا يجدر على صناع القرار في لبنان تحاشي أن يكرروا مع مجموعة الحبتور نفس ما فعلوه أيام حكومة دياب مع المجتمع الدولي لجهة التمنع عن سداد ديون لبنان الخارجية، ما شكل أول خطوة لانهيار بلد الأرز اقتصادياً ومالياً، الخ… المطلوب بإلحاح عدم تكرار الموقف ذاته مع مجموعة الحبتور؛ لأن إدارة الدولة اليوم ظهرها لمطالب مجموعة الحبتور المحقة؛ سيكرر نفس النتائج الكارثية على لبنان التي حصلت جراء امتناع حكومة دياب عن تسديد ديون لبنان الخارجية..
إن قيام الدولة بإدارة ظهرها لمطالب مجموعة الحبتور سيكون له تداعيات قانونية ضد لبنان وستؤدي إلى زيادة عدم الثقة المالية العالمية والعربية به.
من المخارج التي قد تكون ممكنة، هو أن توجه الدولة اللبنانية للشيخ خلف الحبتور دعوة رسمية على أعلى مستوى، كي يحضر إلى لبنان ليكون ضيفاً عالي المستوى على الحكومة اللبنانية، ويتم خلال هذه الزيارة الإتفاق معه على تسوية هذا الأمر الموجودة تفاصيله في الرسالة المفتوحة التي نامت للأسف في أدراج “أحد ما” في الدولة اللبنانية.
على كل حال، فإنه ليس أكيداً بعد كل ما حصل أن يقبل الشيخ خلف الحبتور تلبية الدعوة إلى لبنان رغم يقينه بمدى حب اللبنانيين له؛ وفي هذه الحالة فإنه سيكون مطلوباً من بيروت أن تطبق المثل القائل: “كل صاحب حق يزار”؛ وهنا سيكون مناسباً أن يذهب وفد عالي المستوى إلى الإمارات ليلتقي بالشيخ خلف الحبتور لنقاش هذه القضية معه، وذلك بعد أن صار مطلوباً من الدولة اللبنانية أن تعمل كل شيء ممكن أن يؤدي لحل عادل لها.
وعلى هامش الأفكار التي يطرحها لبنانييون أوفياء لأيادي خلف الحبتور البيضاء على بلدهم، والهادفة لحل قضية المس باستثمارات الحبتور في لبنان؛ فإن هؤلاء (أي الأصدقاء الأوفياء) من جهة ثانية يحذرون أية جهة دبلوماسية لبنانية تعمل في الخارج، من التعاطي مع أي اتصال معها من جانب الشركة المكلفة بمتابعة هذا الموضوع، بطريقة أنها “تدير الأذن الطرشي” للشركة… فالدبلوماسية اللبنانية لم توجد حتى تكون دبلوماسية ولائم والتنقل بين فنادق وبيوت المناسبات الإجتماعية؛ بل عليها أن تكون دبلوماسية من أجل حل مشاكل لبنان، وتعزيز صلات الود بين محبي لبنان في الخارج وبين بلد الأرز، وذلك في كل المجالات.