الهديل

خاص الهديل: غالانت سيستمر بالقتال مع لبنان بعد توقف حرب غزة: هل إسرائيل جادة فعلياً بالإنقلاب على قواعد الاشتباك مع حزب الله؟؟

 

خاص الهديل

 

بقلم: ناصر شرارة

كرر أمس وزير الدفاع الإسرائيلي غالانت أن الجيش الإسرائيلي لن يقوم بوقف النار على الجبهة الشمالية مع لبنان عندما يتوقف إطلاق النار في غزة..

ولا يمكن النظر لتصريح غالانت هذا، من دون لحظ وجود أبعاد هامة جديدة تتصل به؛ ولعل أبرزها يتعلق ببعدي توقيت التصريح وزمانه (أي المكان الذي كان فيه غالانت حينما أطلقه): بالنسبة لتوقيت تصريحه، فهو يأتي في وقت تتعاظم فيه المؤشرات التي تشي بقرب حدوث هدنة جديدة في غزة؛ ما يعني أن غالانت يعلن أن إسرائيل قررت أن تفصل بين مسار حربها مع غزة، وبين مسار مواجهاتها مع لبنان!!

.. وخطورة توجه غالانت هذا، تكمن في أن إسرائيل تتجه للإنقلاب على كل قواعد الاشتباك التي وضعها حزب الله لمواجهات الجبهة الشمالية التي فتحها يوم ٨ أكتوبر الماضي، والتي نصّت على ثلاث نقاط: ١- تحديد مساحة ميدان المواجهات ب ٣ إلى ٥ كلم؛ ٢- مواجهات ما دون الحرب الشاملة ولا تطال المدنيين؛ ٣- توقف نار المواجهات العسكرية بين الحزب وإسرائيل، يحصل تلقائياً لحظة توقف النار في حرب غزة.

والواقع أنه حتى حصول الهدنة الأولى والأخيرة في حرب غزة، كانت إسرائيل تلتزم بالحرف بتطبيق بنود قواعد الاشتباك الثلاثة هذه، ولكن مع تجدد الحرب في غزة بعد الهدنة الأولى، بدأت إسرائيل تتفلت من التزامها بنقاط قواعد الاشتباك الثلاث، الواحدة بعد الأخرى، وصولاً لانقلابها حالياً عليها جميعها: ففي البداية تخلت إسرائيل عن الالتزام بميدان الكيلومترات الثلاث أو الخمسة؛ فاغتالت صالح العاروري في قلب الضاحية الجنوبية، وقصفت الغازية ومناطق أخرى في عمق الجنوب؛ ثم لاحقاً قامت بإستهداف أهداف ومؤسسات مدنية وصحافيين وارتكاب اعتداءات ومجازر توحي بأن إسرائيل قررت أن تبدأ بمسار يأخذ المواجهات في لبنان إلى نموذج إجرامها في غزة. وحالياً يعلن غالانت انقلابه على آخر نقطة في قواعد الاشتباك التي صاغها الحزب والتي تمنع انزلاق المواجهات المضبوطة إلى حرب شاملة، وذلك من خلال تصؤيحه بأن إطلاق النار سيستمر مع حزب الله على الجبهة الشمالية حتى لو توقف إطلاق النار في غزة.

والواقع أن إسرائيل تقول هنا، أمراً خطراً للغاية وهو أن حزب الله لم يعد يملك مبادرة تحديد ميدان الحرب ولا تحديد متى وضمن أية شروط، يتوقف إطلاق النار فيها؛ وتقول استدراكاً أيضاً: ان المبادرة على الجبهة الشمالية انتقلت من يد الحزب إلى يد إسرائيل التي قررت تغيير مسارها جذرياً، وبات ميدانها مفتوحاً على خيارات توسعته ليشمل كل جنوب لبنان وليس جزءاً منه فقط (من ٣ إلى ٥ كلم)، وليصبح وقتها مفتوحاً أيضاً ومرهوناً بقبول حزب الله بتلبية مطالب إسرائيل ضمن القرار ١٧٠١، وليس مرهوناً بتلبية تل أبيب لمطلب حزب الله بوقف حرب غزة.

.. أما عن الرمزية السياسية للمكان الذي أطلق منه وزير دفاع إسرائيل تصريحه (على الحدود مع لبنان)، فهي تنبع من أن غالانت تقصد إطلاقه وهو يتفقد وحدات من لواء غولاني خلال تدريباتها المستمرة منذ أسابيع على الحدود الفلسطينية مع لبنان، استعداداً لاحتمال حدوث حرب شاملة مع حزب الله.

وربما تجدر بخصوص هذه الجزئية الإشارة إلى أن لواء غولاني يتميز بدلالة تاريخية تطبع سيرته، وهي أن له صلة خاصة بالجبهة الشمالية (أي جبهة إسرائيل مع لبنان وسورية)؛ وحتى أن تسميته مشتقة أصلاً من إسم هضبة الجولان المحتلة؛ كما أن لواء غولاني نال شهرته من تخصصه بالمعارك التي خاضها خلال نكبة فلسطين على الحدود الفلسطينية المحتلة مع لبنان، ومن خلال ارتكابه مجزرة سعسع وغيرها.. وعليه فإن تقصد غالانت أن يطلق تصريحه داخل إطار صورة تظهره من جهة أنه يقف على حدود لبنان، وتركز من جهة ثانية على إظهار مشهد تفقده للواء غولاني وهو يقوم بتدريبات مكثفة استعداداً لخوض حرب شاملة محتملة مع الحزب، إنما تنطوي (أي مجمل صورة غالانت هذه) على أن تل أبيب تريد في هذا التوقيت توجيه رسالة استراتيجية للبنان ولحزب الله تقول التالي: لقد بدأ وقت حرب غزة ينفد؛ وبالمقابل بدأ وقت اندلاع الحرب الشاملة على الجبهة الشمالية يقترب..

لقد بدأ مؤخراً يتزايد أعداد المراقبين الذين يعتقدون أنه بمجرد أن تنتهي حرب غزة؛ فإن إسرائيل ستبدأ التحضيرات الواسعة لشن حرب على لبنان. وأكثر من ذلك فإن بعضهم نصح بأن يسارع الحزب لتوسيع مواجهته إلى حرب مع إسرائيل قبل سكوت مدافع حرب غزة!!

 

من جهته السيد نصر الله، وخلال إحدى خطبه الأخيرة، لوحظ أنه تقصد التقليل من أهمية تصريحات غالانت المتكررة عن أن إسرائيل لن توقف النار في الشمال بعد وقف النار في غزة، وقال بما معناه أن الحزب لن ينشغل بالتعليق على تصريح غالانت؛ بل سوف يتعامل مع مرحلة ما بعد وقف النار في غزة وفق الواقع حينها، وختم أنه إذا أراد العدو أن يستمر بالقتال فنحن جاهزون لذلك.

 

وبمقابل غالانت الذي يؤكد أنه تخلى عن التزام بقواعد لعبة حزب الله على الجبهة الشمالية، فإن كلام السيد نصر الله يشي بأنه يميل لعدم تصديق كلام غالانت، ويرى فيه كلاماً للاستهلاك السياسي بأكثر مما هو كلام واقعي ويعبر عن ما تفكر به اسرائيل فعلياً.

 

.. والذين مثل نصر الله، يوافقون على الرأي الذي يقول أن إسرائيل ستكون مضطرة لأن توقف القتال مع لبنان بنفس الوقت الذي توقف فيه القتال مع غزة يطرحون عدة أسباب تبرر رأيهم هذا؛ وأبرز هذه الأسباب هي التالية:

 

ان إدارة بايدن لن توافق مع نتنياهو وغالانت على توسيع المواجهة مع لبنان لا جغرافياً ولا زمنياً؛ وهي ستطلب من حكومة نتنياهو فور وقف النار في غزة التزامها بوقف النار في لبنان. فبالأساس إدارة بايدن وضعت لتدخلها في حرب طوفان الأقصى هدفين تسعى لهما: حماية إسرائيل ومنع توسع حرب غزة لتصبح حرباً إقليمية. ومعروف أن مدخل تحول حرب غزة إلى إقليمية هو الجبهة مع لبنان.

 

السبب الثاني يتعلق بحاجة إسرائيل بعد انتهاء حرب غزة إلى التفرغ لمعركة سياسية مرهقة لضمان أن لا يكون اليوم التالي في غزة في غير صالح نظرتها له. 

.. أضف إلى كل المعطيات الواردة أعلاه حقيقة أن إسرائيل بعد وقف النار في غزة ستذهب لمرحلة بدء إطلاق النار السياسي بداخلها؛ وبكل المعايير فإن إسرائيل كما كل الأطراف في المنطقة ستحتاج بعد حرب غزة إلى فترة نقاهة طويلة من التهدئة. وضمن هذا السياق يصبح لتصريحات غالانت خلفية واحدة، وهي أنه يريد الضغط على لبنان كي يوافق على ترتيبات جديدة على القرار ١٧٠١ قبل انتهاء حرب غزة!!

Exit mobile version