خاص الهديل:
بقلم: ناصر شرارة
حصل أمس تطوران نوعيان في المواجهة الدائرة بين إسرائيل وحزب الله؛ الأول استخدام الحزب لصاروخ أرض جو أسقط طائرة مسيرة متطورة؛ والثاني رد إسرائيل بغارة طالت لأول مرة مدينة بعلبك في البقاع.
من حيث التناسب بين الحدثين، لا يمكن إيجاد معادلة واضحة؛ ولكن بمنطق الرسائل المتبادلة بين الطرفين منذ بدء المواجهات يوم ٨ أكتوبر العام الماضي، يمكن فهم لماذا أطلق الحزب “الآن” صاروخ أرض- جو؛ وبالمقابل لماذا ردت إسرائيل بتوسيع قصفها ليطال بعلبك في البقاع. من ناحية حزب الله، فهو قام بإزاحة الستارة عن امتلاكه لصواريخ أرض جو؛ وهدفه من ذلك تحذير إسرائيل من أنها في حال قررت خوض حرب شاملة مع لبنان، فعليها أن تحبس أنفاسها لتلقي مفاجآت عسكرية لا تحصى، سيكون بينها ما هو جوي وما هو بحري وما هو جيوسياسي، الخ..
باختصار، يعتمد حزب الله منذ بدء المواجهة يوم ٨ أكتوبر الماضي، استراتيجية إدخال أسلحة جديدة إلى الميدان بالتدرج الزمني، وأيضاً كلما صعّدت إسرائيل أكثر من تهديداتها السياسية، ومن عملياتها العسكرية:
مثلاً يوم الأحد الماضي، وأثناء زيارته لوحدات من لواء غولاني تتدرب على الحدود مع لبنان على تنفيذ حرب ضد حزب الله، قال وزير الدفاع الإسرائيلي غالانت: من يظن أن إسرائيل ستوقف الحرب مع لبنان في حال حصلت هدنة مؤقتة في غزة، فهو واهم. وأضاف لن تقف الحرب حتى تحقق إسرائيل هدفها سواء باتفاق أو بالقوة..
بعد ساعات من تصعيد غالانت السياسي هذا، كشف الحزب عن سلاح جديد في ترسانته وهو صاروخ أرض جو قام مقاتلوه بتوجيهه نحو مسيرة إسرائيلية متطورة وتم اسقاطها..
ليس هناك أدنى شك بوجود صلة بين قرار بأن يوقت إستخدام صاروخه أرض جو في هذه اللحظة، وبين تصريح غالانت الذي تقصّد فيه القول للحزب أن المبادرة بخصوص “متى وكيف ينتهي القتال على الجبهة الشمالية”، أصبح بيد تل أبيب ولم يعد بيد حارة حريك. فإسرائيل حساسة جداً بمجال احتفاظها بتفوقها العسكري، وهي تتأثر معنوياً حينما تصاب قوتها الجوية بأي نكسة حتى لو كانت جزئية. وعليه فإن حزب الله اختار كرد على قصف غالانت السياسي التصعيدي والكاسر لتوازنات قواعد الاشتباك، أن يسقط مسيرة إسرائيلية متطورة، وذلك كرسالة لتل أبيب تقول أنه حتى تفوقها الجوي قد يكون معرضاً للمفاجأة في حال توسعت الحرب!!.
وعلى الأثر ردت اسرائيل على تصعيد الحزب العسكري الذي جاء توقيته في إطار الرد على تصعيد غالانت السياسي، بتصعيد عسكري تمثل بقصف هدف في مدينة بعلبك.
.. في الواقع ليس مهماً طبيعة الهدف الذي قصفته إسرائيل في مدينة الشمس، بل المهم والخطير، هو موقع القصف الذي يعني أن إسرائيل اختارت أبعد نقطة يوجد فيها حزب الله فوق الأراضي اللبنانية، وقامت بقصفها. والرسالة هنا تفيد بأن إسرائيل ليس فقط تجاوزت ميدان الـ٥ كلم الذي سبق لحزب الله وحذر إسرائيل من تجاوزه، بل قامت بتسجيل “أعلى سكور” يمكن أن تمارسه على مستوى خرق ميدان الـ٥ كلم.. وأكثر من ذلك فإن إقدام حكومة نتنياهو على تنفيذ غارة في بعلبك تضمنت تطير رسالة بعدة معاني، من جهة أفادت بأن التزامها بميدان الـ٥ كلم قابل للإنهيار في أية لحظة ترتأيها تل أبيب؛ ومن جهة ثانية بينت أن كابينت الحرب لديه إرادة توسيع رقعة المواجهات، وأنه يمارس سياسة دفاعية هجومية وليس مجرد سياسة دفاعية؛ ومن جهة ثالثة قالت غارة بعلبك التي جاءت بعد غارة صيدا وقبلها غارة الغازية أن إسرائيل تقترب من حرب شاملة ضد لبنان كلما ابتعد حزب الله عن القبول بشرط إسرائيل لوقف النار على الجبهة الشمالية، وهو تطبيق القرار ١٧٠١ على نحو يقنع مستوطني الشمال بالعودة إلى مستوطناتهم!!.
والواقع أن لعبة تبادل اللكمات النوعية يوم أمس بين الطرفين لم تنته برد تل أبيب على إسقاط المسيرة بقصف بعلبك، بل أصر الحزب أن تكون له الضربة الأخيرة في جولة لكمات يوم أمس؛ وذلك عندما رد على قصف بعلبك بقصف الجولان المحتل بستين صاروخاً. ومرة أخرى ليس مهماً ما هي الأهداف التي تم قصفها في الجولان بل المهم والخطير من وجهة نظر إسرائيل هي المعادلة التي أشار إليها حزب الله ومفادها أنه إذا كانت إسرائيل تريد توسيع القتال ليشمل كل لبنان فإن حزب الله يستطيع توسيع القتال ليشمل ليس فقط كل “إسرائيل” بل أيضاً “كل الإقليم”.
إن قصف الحزب للجولان كرد على قصف بعلبك يحمل رسالة لإسرائيل تقول أن لديه منصات وأهداف إقليمية سوف لن يتردد في استعمالها في حال وسعت إسرائيل حرب ميدان الـ٥ كلم؛ والواقع أن هذه الميزة التي يملكها الحزب، والتي تتعلق بقدرته على تحويل ميدان الحرب إلى ميدان إقليمي في حال أصبحت شاملة، كانت لحظتها دراسة للبنتاغون جاء فيها أن إسرائيل في غزة تقاتل فوق ميدان مساحته نحو ٦٥٠ كلم مربع، ولكنها مع حزب الله ستقاتل في ميدان مساحته مليون كلم مربع وهو يبدأ في لبنان ويمر بسورية والعراق وصولاً إلى اليمن والبحر الأحمر، الخ..