الهديل

خاص الهديل: قصة إسرائيل مع تفوقها العسكري التكنولوجي العاجز عن تحقيق “نصر سياسي واضح”!!

خاص الهديل:

بقلم: ناصر شرارة

تستعمل إسرائيل في المواجهات العسكرية مع حزب الله، بكثافة، عمليات القنص ضد قياداته العسكرية الوسطى، وتستخدم في هذا المجال، سلاح المسيرات المجهزة بتقنيات ترصّد ومتابعة متطورة تكنولوجياً.

وتعترف أوساط حزب الله بأن التطور التكنولوجي الموضوع في خدمة عمل المسيرات الإسرائيلية، خلق فجوة تكنولوجية لصالح إسرائيل، وأدى إلى إرتفاع أعداد الشهداء بين صفوف كوادره.

وكان أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله أشار إلى هذه النقطة معتبراً أن أخطر عدو تواجهه المقاومة في هذه المعركة هو تفوق تل أبيب التكنولوجي؛ وقدرة الجيش الإسرائيلي على أن يتواجد داخل كل بيت في لبنان، وذلك عن طريق سلاحه السيبراني القادر على اختراق كل شيء مرتبط بالإنترنت.

والواقع أنه ليس هذه أول مرة تبرز خلال حروب العرب مع إسرائيل فجوة التفوق التكنولوجي لصالحها؛ ولكن في المرات السابقة كان التفوق العسكري الإسرائيلي يتركز في سلاح الجو الذي لا تملك الجيوش العربية نظيراً له؛ أما في حرب طوفان الأقصى وبخاصة على جبهة إسرائيل الشمالية مع لبنان؛ برز تفوق مضاف لتفوق سلاح الجو التقليدي؛ وهو السلاح التكنولوجي السيبراني القادر بالاعتماد على تقنيات الذكاء الإصطناعي وصرخات التطور السيبراني على كشف الأهداف في ذات لحظة تحركها فوق الأرض، أو تنقلها من مكان لآخر..

.. في المعلومات أن حزب الله عمل/ ويعمل على توفير حلول جزئية لردم هذه الفجوة؛ ولكن ما يفعله لن يؤدي بطبيعة الحال إلى تقليصها بنسبة فاعلة.. ولكن النقطة الأهم والجوهرية في هذا المجال هو أن تفوق إسرائيل السيبراني والتكنولوجي ليس كافياً لوحده كي يجعل الجيش الإسرائيلي قادراً على تحقيق “نصري جلي” كما يسميه نتنياهو، أو على تحقيق الهدف الإستراتيجي السياسي الذي تريد نيله. 

واستدراكاً لهذه الفكرة الجوهرية؛ تجدر في هذه النقطة ملاحظة أن كل وقائع حرب غزة وبموازاتها وقائع الحرب الدائرة فوق ميدان الـ٥ كلم وملحقاته بين إسرائيل وحزب الله؛ بالإضافة “لحرب البحر الأحمر”؛ تقدم – أي كل هذه الوقائع – صورة يعتد بها لتكوين فكرة أولية – ولكنها عميقة – حول طبيعة الجيل الجديد من الحروب التي دخلتها الصراعات العالمية، وما هي معايير القوة ومعايير الضعف فيها:

أولاً- تبدو حرب غزة جزء بالمعنى العسكري من سلسلة حروب شهدتها المنطقة منذ العام ٢٠٠٠ حتى الآن؛ وكان أهمها الغزو الأميركي للعراق التي قامت على تحريك غزارة نارية مرعبة ووجهت تكنولوجيا مدمرة لتحقيق هدف السيطرة على البلد وتغيير نظامه السياسي. حتى اليوم لا يزال غامضاً ما إذا كانت أميركا نجحت عسكرياً أو سياسياً على نحو مطلق في حرب العراق؛ فإزاحة صدام حسين عن رأس الحكم وتغيير مسار النظام السياسي في بلد الرافدين، كان يمكن أن يحدث بعملية اغتيال بسيطة الكلفة لصدام حسين؛ بدل أن تجند أميركا لهذا الهدف ميزانية هائلة، وتخسر في طريقها لتحقيقه آلاف الجرحى والقتلى والمختلين عقلياً، الخ.. واليوم تقول معظم التقارير العسكرية والصحفية أن المستشارين العسكريين الأميركيين الذين يشاركون فعلياً مع الكابينيت الإسرائيلي في صياغة قرار حرب غزة؛ هم يتصرفون على أساس أن تجربة الجيش الأميركي في العراق، صالحة كي يتم تطبيقها بنسبة غير قليلة من تكتيكاتها الاستراتيجية، في غزة: “فالتدمير الواسع” و”حروب التهجير الوحشية” وتسليط الضوء الإعلامي على فكرة “تشخيص العدو”؛ أي جعل العدو شخصاً بعينه يساوي قتله معنى تحقيق الانتصار الجلي أو الواضح؛ كلها أفكار استخدمت في حرب أميركا على العراق، ويتم اليوم تطبيق جزء كبير منها في غزة.

 

.. ففي العراق حددت واشنطن “العدو بشخص صدام حسين”، وروجت إعلامياً بكثافة لفكرة أن صورة قتله ستساوي صورة تحقيقها للنصر في حرب العراق. ونفس الأمر توحي به إسرائيل اليوم، وذلك لجهة ترويجها لفكرة تقول أن نجاحها في اغتيال يحيى السنوار سيعني أنها نجحت في الحصول على لحظة زرع علم نصرها الواضح في حرب غزة. ولكن في العراق لم تنته الحرب عملياً بعد قتل صدام حسين، بل هي بدأت قبل مصرعه، واستمرت بعده ولا تزال تتفاعل حتى الآن؛ ونفس الأمر يحدث وسيحدث في غزة بغض النظر عن مصير السنوار.

ثانياً- إن أبرز مشكلة تواجه الجيل الجديد من الحروب تتمثل بأن الأهداف السياسية الإستراتيجية لم تعد تملك وسائل عسكرية لتحقيقها: مثلاً الجيش الأميركي الذي يملك أضخم وأحدث ترسانلة عسكرية؛ والذي يملك أيضاً كل الوقت السياسي لإطالة وقت أية حرب يخوضها؛ غير أنه رغم امتلاكه لكل هذه الميزات العسكرية؛ فإنه لا يحقق بالغالب هدف حربه السياسي والإستراتيجي.. في أفغانستان فشلت ترسانته في تحقيق الهدف السياسي ما اضطره لاستبدال النصر السياسي الإستراتيجي بمكسب استخباراتي استراتيجي. وفي العراق لم ينجح التفوق العسكري الأميركي أيضاً بتحقيق هدفه السياسي المباشر، ما إضطره للإستعاضة عنه بخلق توازنات غير مباشرة يدير بها أزمة العراق، الخ.. والفكرة الرئيسة هنا تظل هي ذاتها بالمقارنة مع معظم الحروب التي جرت في آخر عقدين؛ ومفادها أنه مهما زاد التفوق العسكري إلا أن ذلك لن يحقق بالضرورة هدف الحرب السياسي الاستراتيجي!!

والواقع أنه من المبكر الإجابة عن سبب هذه الفجوة الحديثة بين القوة العسكرية والقدرة السياسية (!!)؛ فربما سيحتاج مخططو إدارة العنف والحرب في عالمنا المعاصر إلى فترة قادمة حتى ينجحوا باستنتاج أسباب هذه المعادلة الجديدة.

Exit mobile version