خاص الهديل:
بقلم: ناصر شرارة
عاشت إسرائيل ليلة أمس ما يمكن تسميته بليلة رسائل كامالا هاريس لنتنياهو.. لقد قالت نائبة الرئيس الأميركي أمس لنتنياهو العبارة التي لم يقلها الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون لغولدا مائير حينما رفضت طلبه إدخال مؤن للجيش الثالث المصري في سيناء؛ ومفادها “توقف.. كفى أعذار”.
كامالا خرجت من بين ثنايا طول أناة الرئيس الطاعن في السن، ومرشح المصاعب لولاية رئاسية ثانية، بايدن المحب لإسرائيل، وقالت لنتنياهو عبارة “لا أعذار” التي تجد حالياً تأييداً كبيراً من جانب القواعد الشابة والتقدمية داخل الحزب الديموقراطي الأميركي الذي يحاول إبقاء المارد الجمهوري رونالد ترامب في قارورة الجان.
يقال أن كلام كامالا ربما كان عبارة عن توزيع أدوار بينها من جهة وبين الرئيس بايدن من جهة ثانية ؛ فهي من ناحيتها تتكفل بإرضاء البيئات الأميركية الديموقراطية والناخبين الملونين والعرب المعارضين لسياسة إدارة بايدن من حرب غزة؛ وهو من ناحيته – أي بايدن – يبقى على عدم وضوحه من رفض الحرب الإسرائيلية على غزة، حتى لا يخسر الحزب الديموقراطي أصوات اليهود الأميركيين.
ورغم أهمية معرفة الخلفية السياسية التي تقف وراء كلام هاريس أمس، إلا أنه بكل الأحوال، يظل ما قالته يمثل أوضح موقف أميركي لفظي ضد سلوك نتنياهو الإجرامي في حرب غزة؛ فلأول مرة قالت إدارة بايدن عبر لسان نائبة الرئيس لحكومة إسرائيل “لا أعذار”، أي “كفى أعذار”، وأن الولايات المتحدة الاميركية لم تعد تريد سماع الأعذار التي تتستر وراءها تل أبيب كي تستمر بالحرب، وكي تستمر بمنع إيصال المساعدات الغذائية للقطاع المحاصر والمدمر والجائع.
.. عبارة “لا أعذار” شكلت نقلة في السياسة الأميركية تجاه حرب غزة، حيث أن “التصعيد في التعابير اللفظية” الذي استخدمته هاريس، يخفي خلفه – بحسب تفسيرات إعلامية أميركية – بدء مرحلة جديدة ستشهد ضغوطاً أميركية مباشرة من إدارة بايدن على حكومة نتنياهو كي ترضخ الآن لأمرين إثنين ملحين:
الأمر الأول يتمثل بموافقة نتنياهو على إبرام هدنة لمدة ٦ أسابيع يتم إعلانها قبل حلول شهر رمضان.. وتضع إدارة بايدن عدة خطوط تحت عبارة “قبل حلول شهر رمضان”!!
الأمر الثاني يتعلق بالتزام إسرائيل بعدم عرقلة إدخال المساعدات الإنسانية بكثافة إلى قطاع غزة؛ والتوقف عن إطلاق النار على الغزاويين خلال ذهابهم لتلقي المساعدات..
أمس استقبل البيت الأبيض عضو الكابينيت الحليف لبايدن الجنرال المتقاعد غانتس، وذلك وسط غضب نتنياهو الذي اعترض على الزيارة وخاطب بايدن قائلاً: هناك في إسرائيل رئيس حكومة واحد يجب على واشنطن حصر الكلام السياسي معه!!
غير أن هاريس ردت بنفس الساعة على نتنياهو، قائلة بما معناه لقد قال البيت الأبيض ماذا يريد من تل أبيب بخصوص إبرام هدنة عدم عرقلة تتدفق المساعدات الإنسانية لغزة، وبكلمة الأخيرة فإن البيت الأبيض لم يعد يريد سماع أعذار نتنياهو بخصوص هذين الأمرين..
ولم يكتف البيت الأبيض ليلة البارحة بإرسال رسالته الغاضبة لنتنياهو عبر هاريس التي قالت له “لا أعذار”؛ بل حتى بايدن طير له بنفس الوقت رسالة صامتة، حينما رفض الإجابة على اتصال هاتفي منه.. ففي هجيع ليلة البارحة، وصل لنتنياهو “صوت جاف” من خلال محدثه في البيت الأبيض الذي كان معه على الطرف الآخر من الخط الهاتفي: ان الرئيس بايدن غير متوفر على الخط!!..
وبقي القول في وصف أحداث ليلة أمس العاصفة بين إدارة بايدن ونتنياهو، أن الأخير لم يبد أي استجابة لرسائل الإدارة الأميركية المكثفة ضده بل رد عليها برفع كتفيه معلناً أنه غير مهتم.. وبالتتالي فعل أمس نتنياهو التالي: أولاً قال لبايدن احتفظ بغانتس عندك في البيت الأبيض لأنه في اسرائيل يوجد رئيس حكومة واحد هو نتنياهو.. وثانياً أعطى أوامره للجيش الإسرائيلي: أطلقوا النار على الغزاويين الذين جاءوا لاستلام المعونات الغذائية!!
باختصار نتنياهو في وضعية مواجهة مع إدارة بايدن… ورسالة “لا أعذار” لم يستقبلها، وتجاهلها باستخفاف، وهو يبدو وكأنه أحد أبطال أفلام الغرب الأميركي الذي يدخل ساحة قرية نائية ويبدأ بإطلاق النار من مسدسيه بكل الاتجاهات.. والسؤال الذي يطرحه الآن مشاهدي هذا الفيلم، هو ماذا عسى “الشريف بايدن” أن يفعل، كيف سيرد على تطاوله على الولايات المتحدة الأميركية؟