خاص الهديل
بقلم: ناصر شرارة
لأول مرة خلال ١٥ عاماً، وهي عمر السنوات التي شغل فيها رئاسة الحكومة، يشعر نتنياهو بأن التوازنات السياسية الداخلية الإسرائيلية التي صنعها هو نفسه، حتى يحمي بها لقبه السياسي كـ”ملك”، بدأت تتفلت من بين يديه..
وتتمثل مشكلة نتنياهو في هذه اللحظة، بأنه يتبنى مجموعة شعارات غير مقنعة، أو أقله ليست عملية وغير قابلة للتطبيق. يقول أنه يسعى للقضاء على حماس وإطلاق الأسرى في نفس الوقت.. في حين أن غانتس وايزنكوت وأغلبية الشارع الإسرائيلي، وحتى بايدن يقولون له: لا بد من الفصل بين المطلبين؛ كون إطلاق الأسرى من أيدي حماس يتطلب هدنة بوقت كاف مع حماس لإطلاقهم؛ وبعد ذلك يمكن معاودة القتال لاجتثاث حماس.
وما يحرج نتنياهو هو أنه ليس الوحيد داخل إسرائيل الذي يريد القول أنه يريد القضاء الكلي على حماس، بل جميع أعضاء كابينيت الحرب وجميع أعضاء إدارة بايدن يرفعون نفس شعاره، وهو القضاء على حماس؛ لكن الخلاف بين نتنياهو من جهة وبين الجميع في إسرائيل وأميركا من جهة ثانية، يقع في الإجابة عن السؤال التالي: “متى يجب القضاء على حماس”؟؟.. نتنياهو يجيب “الآن، وفوراً”؛ بينما جميع الاخرين يقولون “ليس الآن، بل بعد إطلاق الأسرى”!!..
داخل الكابينيت، وداخل الإدارة الأميركية يسألون نتنياهو: طالما أنه يمكن لإسرائيل أن تنال مطلبيها (اجتثاث حماس واستعادة الأسرى) من خلال إبداء “الصبر الإستراتيجي”، فلماذا التخلي عن العمل بهذه الطريقة!!؟
الخلاف الأميركي مع نتنياهو سببه تباينهما بالإجابة عن “سؤال متى” المتعدد الجوانب والخلفيات؛ فالتوقيت الذي تجري فيه حرب غزة جعلها حرباً إقليمية دولية فوق كونها حرباً ناتجة عن أخطر قضية في الشرق الأوسط (القضية الفلسطينية)؛ فهذه الحرب تحتدم على إيقاع بورصة صعود وهبوط استطلاعات ربع الساعة الأخيرة في الانتخابات الرئاسية الأميركية.. وهذا التوقيت جعل كابينيت الحرب الإسرائيلي مقسوماً لنصفين، الأول يقوده نتنياهو المحسوب على الحزب الجمهوري الأميركي ومرشحه ترامب، والثاني يقوده كل من غانتس وايزنكوت المحسوبين على الحزب الديموقراطي الأميركي ومرشحه بايدن. والواقع أن زيارة غانتس لواشنطن ومعارضة نتنياهو لها، هي انعكاس للتنافس بين بايدن الديموقراطي وترامب الجمهوري على صوت الناخب اليهودي الأميركي؛ فبايدن يريد القول لليهود الأميركيين أنه يتكلم مع غانتس الممثل لصوت العقل في إسرائيل الصديق للحزب الديموقراطي، كي يوقف علو صوت التطرف في إسرائيل نتنياهو حليف ترامب الجمهوري المتهور بدوره؛ وبنفس الوقت يريد بايدن أن يقول للناخب المسلم العربي الأميركي أن وجود غانتس في ضيافته، هو دليل إضافي على أن إدارته تحاول بنية صادقة وقف قتل الفلسطينيين في غزة.
وتتأكد هذه الخلفية لزيارة غانتس إلى الولايات المتحدة أكثر من خلال ملاحظة نوعية القضايا التي أثارها في لقائه مع كامالا هاريس نائبة الرئيس الأميركي؛ فهو لم يناقش معها وقف إطلاق النار، بل كيفية احتلال رفح من دون سقوط أعداد كبيرة من المدنيين الفلسطينيين المقيمين في رفح؛ وكيفية إنجاز هدنة لستة أسابيع تؤدي لإطلاق الأسرى؛ وكيفية تسريع خطوات إعلان التطبيع بين السعودية وإسرائيل.
داخل مراكز التفكير الإسرائيلية غير الخاصعة لإستقطاب اليمين والمركز، يرون أن غانتس يريد استعجال الوقت وفق رزنامة لها أولويات سياسية وليست عسكرية؛ والسبب في ذلك يعود لكونه يدرك أن حصول انتخابات مبكرة في إسرائيل في ظل وجود بايدن في البيت الأبيض سيكون أنسب له من حصولها في ظل وجود ترامب حليف نتنياهو في البيت الأبيض؛ لذلك يرتب غانتس أجندته وفق المراحل الزمنية التالية: أولاً إعلان هدنة الأسابيع الستة التي تؤدي لتحرير الأسرى، ما يكسبه شعبية إضافية داخل الشارع غير اليميني الإسرائيلي، وما يؤدي إلى تحسين حظوظ بايدن الإنتخابية؛ لأنه يوجد بين الأسرى أميركيين..
المرحلة الثانية – التحرك لإسقاط حكومة نتنياهو وتحديد موعد لانتخابات مبكرة.
المرحلة الثالثة: إقتحام رفح واجتثاث حماس.
بالمقابل يحاول نتنياهو إنشاء رزنامة عمل له تجعل العربة العسكرية فيها قبل الحصان السياسي؛ وهدفه من ذلك تأجيل كل حديث بالتداعيات السياسية لحرب غزة إلى ما بعد الإنتخابات الأميركية التي يراهن على أن تؤدي لخروج بايدن من البيت الأبيض ودخول ترامب إليه. وحينها يصبح نتنياهو هو الآمر الناهي بلعبة تحريك أحداث إسرائيل والمناطق المحتلة والمنطقة.
وبخلاصة شبه أكيدة يمكن القول أن انقلاب بايدن – غانتس على نتنياهو بدأ فعلياً؛ وحينما يعود غانتس من زيارتيه لواشنطن ولندن سوف تتضح كيف ستتأثر اصطفافات الحكومة الإسرائيلية بينه وبين نتنياهو؛ وسوف يكون هناك أهمية كبيرة لمواقف ثلاث جهات: غالانت وايهود باراك وشاس؟؟.
والواقع أن خصوم نتنياهو وهم أكثرية إسرائيل السياسية يراهنون على أنه بدأ يفقد أحد أبرز أسلحته وهو “برغماتيته”؛ وسبب ذلك يعود لكون نتنياهو أصبح يرى أن بقائه في السلطة يحتم عليه أن يصبح أكثر يمنية وليس العاقل الوحيد بين المجانين اليمنيين؛ وأن يصبح صدى لبن غفير ولسيموتريتش وأحفاد كهانا اليمنيين المتطرفين. فالبنسبة لنتنياهو بات خيار اليمين ليس فقط سلماً للصعود عليه لنيل رئاسة الحكومة، بل أيضاً سواراً يحيط نفسه به لمنع سوقه للسجن. وعليه يتموضع نتنياهو في هذه اللحظة داخل معادلة الاستمرار بالحرب ومحاولة منع حصول هدن مع حماس بدعوى أن هذه الهدن ستمكنها من التقاط أنفاسها وإعادة تنظيم صفوفها العسكرية وستفقد الجيش زخم هجومه، الخ…
في هذه اللحظة يمكن القول أن نتنياهو محاصر بأخطر هواجسه وأذكى أعدائه؛ ولكن مع ذلك يجب إبقاء السؤال اللغز على الطاولة؛ وهو كيف ستكون خطوته التالية؟؟.