خاص الهديل: اللجنة الخماسية ومصطلح بطرس غالي: “مش وقتو…!!”
خاص الهديل
بقلم: ناصر شرارة
لا يترك السفراء الذين تتشكل منهم اللجنة الخماسية مناسبة إلا ويقول كل واحد منهم على حدا؛ أنه لا يوجد بينهم أية تباينات أو خلافات؛ وأن الخماسية تعمل بقلب رجل واحد.
.. أمس السفيرة الأميركية في لبنان جونسون، وخلال لقائها بعدد من نواب “كتلة الاعتدال”، كررت نفس هذا المعنى الذي يقول أن تفاهم أعضاء الخماسية قائم بالتمام والكمال؛ وقالت جونسون أيضاً في مجال آخر “لنواب الاعتدال” أن مبادرة كتلة الاعتدال تنسجم مع مساعي الخماسية.
وقبل التعليق على الجزء الأول من كلام جونسون بخصوص تجانس مواقف أعضاء الخماسية؛ يجدر التوقف عند ما قالته السفيرة الأميركية عن وجود علاقة تكامل في المهمات بين مسعى الخماسية ومبادرة كتلة الاعتدال… فهذا الكلام لجونسون رغم أنه يمكن عدم التوقف عنده، إلا أنه كلام ينقصه الحنكة ويفتقد للبصيرة فيما لو أراد متابع جاد التعليق عليه؛ والسبب وراء ذلك يقع في أنه كلام يظهر الخماسية وكأنها قوة محلية لديها ذراع برلماني أو أداة نيابة.. هذا الانطباع يضر بنظرة اللبنانيين للخماسية؛ ذلك أنه بالنسبة للبنان فإن ما تحتاجه الخماسية ليس كتلة نيابة “تذهب وتأتي” داخل ردهات خلافات الأحزاب اللبنانية المحتربة سياسياً ونفسياً ومصلحياً فيما بينها؛ بل تحتاج الخماسية إلى صورة تظهرها بأنها تعبير قوي عن قرار دولي ناجز ومتخذ وقابل للتحقق وليس للتسول به.
وبطبيعة الحال فإن الملاحظة الواردة أعلاه لا تريد الانتقاص من “كتلة الاعتدال” التي يحاول نوابها فعل “شيء ما” بغض النظر عن أهميته العملية؛ ولكن هذه الملاحظة تريد القول أن جونسون بكلامها عن تكامل مبادرة الاعتدال مع مسعى الخماسية، إنما هي تبدو كأستاذ يحاول إقناع تلاميذه في حصة الحساب، بأنه يمكن الوصول لحصيلة رقم إثنين، حينما يتم جمع تفاحة زائد ليمونة.. ولكن يفوت جونسون في هذا المجال، هو أن الأمر الوحيد الذي يقنع اللبنانيين هو أن الخماسية هي جهد دولي وتعبير عن قرار دولي موحد، في حين أن كتلة الاعتدال هي جهد لبناني داخلي وحالة انتظارية لبنانية؛ وعليه فإنه لا يمكن لأي مواطن في لبنان أن يقتنع من جونسون بمعادلة أن “الخماسية زائد الاعتدال” يساوي حاصلها حلا لأزمة الشغور الرئاسي وانتخاب فخامة الرئيس.
وبالانتقال لجزئية “وحدة الخماسية” يجب الاعتراف بأن اللجنة الخماسية طرأ عليها تآكل كبير خلال الفترات الأخيرة؛ وسبب ذلك يعود لعدة عوامل أساسية؛ أبرزها أن نظرة اللبنانيين للجنة الخماسية لم يعد فيها أي أمل ترجوه منها، ونظراً لكون “صورتها النمطية” أصبحت تؤشر إليها على أن مهمتها الأساسية هو حصراً “تقطيع الوقت الدولي الضائع” من خلال تنفيذ تكتيك “حركة بلا بركة” لأعضائها في لبنان.
وفي هذا المجال يمكن استذكار عبارة مشهورة لأمين عام الأمم المتحدة الأسبق بطرس غالي، كان يرد بها على الذين يسألونه “لماذا لم تفعل شيئاً للقضية الفلسطينية عندما كنت في منصب أمين عام الأمم المتحدة؟؟”. ودائماً كان يقول غالي في رده على هذا السؤال الذي طارده أواخر حياته أنه في السياسة الدولية هناك دائماً قضايا موضوعة على الرف، ويتم إهمالها لأن دول القرار العالمي تكون بحالة انشغال بقضايا أخرى.
.. وكان غالي يشرح نظريته هذه بالقول أنه حينما كان أميناً عاماً للأمم المتحدة، لم تكن قضية فلسطين على جدول أولويات دول القرار؛ وحينما كنت أتحدث معهم عن فلسطين كانوا يردون علي بالقول: “مش وقتو”..
.. وباللغة المصرية الدارجة، كان يقول غالي “هناك حاجة في السياسة الدولة إسمها: مش وقتو “!!
والواقع أنه يوجد لدى اللبنانيين اليوم قناعة بأن اللجنة الخماسية لا تعبر عن حيوية دولية لحل أزمة الشغور الرئاسي في لبنان، بل ان مهمتها موجودة على “رف السياسة الدولية” الذي سماه بطرس غالي: “مش وقتو..”!!
وهناك أيضاً سبب آخر من ضمن أسباب أخيرة، يجعل اللبنانيين غير ميالين للتفاؤل بعمل الخماسية؛ ومفاده قناعته بأنها ليست موحدة، وبأنه يوجد داخلها أكثر من أجندة عمل وأكثر من رأي؛ وهذا الواقع المتشظي داخل الخماسية جعل بعض اللبنانيين يقول أن اللجنة الخماسية باتت بحاجة للجنة من مائة مصلح كي يصلحوا أمورها ويحلوا خلافاتها الداخلية.