خاص الهديل
بقلم: ناصر شرارة
يمكن القول أن إسرائيل لا تنتظر في هذه اللحظة كيفية إيجاد صورة انتصار لحربها في غزة؛ بل هي تنتظر أيضاً وبنفس التشوق صورة عن نتائج تحقيق يجيب عن سؤال من المسؤول عن التقصير في يوم ٧ أكتوبر ٢٠٢٣؟؟.
باختصار يريد الإسرائيليون أن يروا صورة انتصار لا تبدو في متناول أيديهم، ولا يبدو أن جيشهم قادر على إنجازها؛ ويريدون أن يسمعوا نتائج تحقيق رسمي وشفاف يفسر لهم كيف أن “الدولة” التي تصدر للعالم أحدث منصات التجسس والإستشعار المسبق، لم تنجح في استشعار عملية طوفان الأقصى قبل وقوعها.
والعنصر المشترك واللافت بين هاتين الرغبتين الملحتين عند الإسرائيليين، تكمن في أنه في الحالتين يوجد إشكالية إسمها نتنياهو؛ فمن ناحية يمنع نتنياهو الإعتراف بأنه لم يعد ممكناً الحصول على صورة نصر؛ وعليه، فمن الأفضل الذهاب لصفقة إطلاق الأسرى والدخول في هدنة طويلة؛ ومن ناحية ثانية يعرقل نتنياهو الخائف من المساءلة، عمل لجنة التحقيق الحكومية، ويحول دون قيامها ولو بنشر ورقة واحدة عن ما تتوصل إليه من معطيات عن سبب التقصير في يوم ٧ أكتوبر..
ويظهر النقاش اليومي الإسرائيلي أن الإسرائيليين باتوا يعانون من “فوبيا ٧ أكتوبر ٢٠٢٣”؛ فمستوطنو الجنوب أو غلاف غزة، ما عادوا يريدون العودة إلى مستوطناتهم إلا إذا عرفوا كل شيء عن قصة ٧ أكتوبر، من أول لحظة تخص التخطيط لها وحصولها، حتى آخر إمكانية تتعلق بتداعياتها الراهنة والمستقبلية؛ وعليه فإن أحد أهم شروطهم كي يعودوا إلى مستوطناتهم، ليس فقط أن تضمن لهم الحكومة عدم تكرار ما حصل لهم يوم ٧ أكتوبر؛ بل أيضاً أن تقول لهم الحكومة بشفافية لماذا حصل لهم ما حصل يوم ٧ أكتوبر، ومن المسؤول عن التقصير، وما هو عقابه؛ وكيف يتم ضمان عدم تكراره؟؟. أما مستوطنو الشمال على الحدود مع لبنان؛ فهم أيضاً يريدون معرفة قصة ٧ أكتوبر من نقطة كيف حصلت ومن نقطة من قصّر في إسرائيل، إلى نقطة كيف يمكن أن تضمن لهم الحكومة أن لا يفعل حزب الله أو وحدة الرضوان نفس العملية التي نفذتها حماس، ضد مستوطناتهم الشمالية.. أضف إلى هؤلاء أهالي الأسرى الإسرائيليين الذين قسموا حركة مطالبهم إلى قسمين إثنين: الأول يقع نطاقه الزمني داخل هذه اللحظة؛ ويتعلق بالضغط على نتنياهو حتى يقبل بعقد صفقة إطلاق للأسرى؛ والثاني نطاقه الزمني مؤجل إلى ما بعد عودة أبنائهم لديارهم، وعنوانه المطالبة بكشف المقصرين في أحداث ٧ أكتوبر ومحاسبتهم، الخ..
الواضح أن إسرائيل تقف الآن في عمق حفرة عميقة محاطة بأسوار من الأسئلة التي لا يوجد عليها أجوبة عملية أو مقنعة، وأبرز أسئلة هذه الحفرة هي من يخبر الإسرائيليين بصدق كيف حدث كابوس ٧ أكتوبر، ومن يقول لهم بصدق كيف تنزل إسرائيل عن شجرة غزة وكيف تخرج إسرائيل من حفرة تداعيات ٧ أكتوبر؟؟.
في دوائر التفكير داخل إسرائيل هناك قناعة راسخة تفيد بأنه لا يمكن علاج المجتمع الإسرائيلي من صداع تداعيات فوبيا يوم ٧ أكتوبر، إلا من خلال تقديم عناية نفسية له، إسمها إنشاء لجنة تحقيق موثوقة من الجمهور الإسرائيلي، شرط أن تصدر هذه اللجنة بأقصى سرعة وبالتتالي محاضر تقريرها الشافي عن أسباب ما حدث وحول من قصر(؟؟)، وكيف ولماذا(؟؟).
وبنظر هذه الدوائر فإن قول الحقيقة للإسرائيليين عن خلفيات ٧ أكتوبر يساهم لحد معقول في وقف انهيار ثقة الإسرائيليين بمشروع الاستقرار داخل الدولة العبرية..
وحالياً يوجد في إسرائيل ثلاث لجان تحقيق مهمتها إماطة اللثام عن ما حصل يوم ٧ أكتوبر: الأولى أنشأها الجيش الإسرائيلي، وتحقيقها مختص فقط بفحص أداء الجيش حصراً، وكيف تصرف قبيل يوم ٧ أكتوبر، وأثناء حدوث أحداث ذاك اليوم.
اللجنة الثانية هي اللجنة الحكومية، وهي الأهم.. ويشاع أن تشكيلها سيكون خلال الصيف المقبل؛ وهذه اللجنة تعتبر الأهم والأكبر، لأنها ستدرس ما حدث في يوم ٧ أكتوبر، من كل الزوايا.. وسيحاول نتنياهو عرقلة أعمالها بكل الوسائل، لأن خطته لإخراج نفسه من مصيدة المساءلة، قوامها القول أن التقصير في يوم ٧ أكتوبر، يتحمله المستوى الأمني والعسكري وليس المستوى السياسي. وكان لافتاً قبل نحو أسبوعين أن شقيق نتنياهو غرد على حسابه “إكس” يقول أن ضباط الشاباك، وصلتهم ليلة ٦ و٧ أكتوبر معلومات من داخل غزة عن تحضر حماس للقيام بعملية طوفان الأقصى، ولكن هؤلاء الضباط أخفوا هذه المعلومة عن شقيقه رئيس الحكومة. وكان واضحاً من خلال هذه الواقعة، أن شقيق نتنياهو يسرب عبر شقيقه ما يريد رئيس الحكومة قوله مواربة في هذه المرحلة!!.
.. أما اللجنة الثالثة فهي لجنة مراقب الدولة التي بدأت تعمل فعلياً، وسوف تصدر تقريرها النهائي في الصيف، ولكنها خلال الأيام المقبلة سوف تصدر نتائج أولية عن تحقيقها؛ أي سوف تعلن فحوى مختصر عن نتائج تحقيقاتها.. وهناك انطباع لدى متابعي أعمال هذه اللجنة أن نتنياهو يقف وراء فكرة إصدار لجنة مراقب الدولة مختصر عن تحقيقاتها في هذه المرحلة، وسبب ذلك يعود إلى أن اختصاص هذه اللجنة ينحصر بالتحقيق بالساعات التي سبقت هجوم يوم ٧ أكتوبر وبالأحداث التي حصلت بعد الهجوم مباشرة؛ وعليه فإن الفترات الزمنية التي ستحقق بها لجنة مراقب الدولة ليس هناك فيها دور أساسي لرئيس الحكومة؛ بل الدور الأساس فيها هو للجيش والأجهزة الأمنية.. ومن هنا فإن النتائج الأولية للجنة مراقب الدولة ستركز أغلب الظن على تقصير المستوى الأمني والعسكري، وهذا أمر يخدم خطة نتنياهو للنجاة بنفسه من تحمل أية مسؤولية. ومتوقع على نطاق واسع، أن نتنياهو سيحمل نتائج التقرير الأولي للجنة مراقب الدولة فور صدوره، ويقوم بتسويقه في كل مكان داخل إسرائيل، حيث سيقول: أرأيتم من هو المقصر في أحداث ٧ أكتوبر.. إنه الجيش وليس أنا!!.