الهديل

خاص الهديل: البيت الأبيض وكابينيت الحرب استسلما للأمر الواقع القادم: الحرب مستمرة.. والمنطقة مقبلة على حريق رمضان الكبير!!.

خاص الهديل:

بقلم: ناصر شرارة

يوم أمس قتل الجندي في الوحدة الخاصة الإسرائيلية خلال القتال في جنوب غزة؛ ومع شيوع خبر قتله تبين أن الجندي القتيل هو إبن شقيقة والدة سيموتريتش.. وقام الأخير بنشر صورة له مع الجندي القتيل وعلق تحتها بالقول: أشعر بحزن شديد؛ ولكنني أعد بأنني سأستمر حتى أقتل آخر شخص من أعدائنا!!. 

يشي التعليق بتعمق روح الانتقام عند المسؤولين الإسرائيليين؛ وبأنه رغم دخول الحرب شهرها السادس، ورغم أنهم قتلوا وجرحوا ماية ألف فلسطيني معظمهم من الأطفال والنساء، إلا أن قادة إسرائيل اليمينيين، لا يزالون يرددون نفس العبارات: سوف نستمر بالقتل؛ وسنرمي الفلسطيني في الجحيم؛ ولا وقف لإطلاق النار قبل سحقهم، الخ..

بعض المعلقين الصحفيين الإسرائيليين ينبهون إلى ضرورة أن الوقت حان كي يخرج مصممو وصانعو القرار الإسرائيلي من روحية التعامل مع حرب غزة بدافع إشباع غريزة الانتقام؛ لأن الإستسلام لهذا النوع من التفكير سيؤكد بالنهاية صحة تحذير وزير الدفاع الأميركي لويد اوستن الذي وجهه لنتنياهو، ومفاده أن أسلوب إسرائيل القائم على الانتقام في إدارة حرب غزة، سيجعلها تربح تكتيكياً وتخسر استراتيجياً!!.

..لكن هذه النصيحة لا تزال لا تلقى آذاناً صاغية داخل كابينيت الحرب؛ وليس المقصود هنا فقط نتنياهو، بل حتى غانتس وازنكوت.. فلنلاحظ مثلاً أن غانتس خلال زيارته لواشنطن التي أثارت حفيظة نتنياهو، أكد هناك على ضرورة اقتحام رفح حتى يتسنى إبادة حماس!!.

 ويبدو واضحاً في هذا المجال، أنه رغم حنق نتنياهو منه كونه وافق على زيارة الولايات المتحدة الأميركية من دون إذن رئيس الحكومة الإسرائيلية؛ إلا أن غانتس قال في البيت الأبيض نفس المواقف المتطرفة بخصوص حرب غزة التي كان سيقولها نتنياهو لو أنه كان هو من زار البيت الأبيض. 

أمس أيضاً قال مسؤولون إسرائيليون تصريحات إضافية تنتمي لسلالة المواقف والأفعال الإسرائيلية التي تصب في خانة أنها تخدم صحة مقولة اوستن الذي قال أن إسرائيل تتصرف بأسلوب يجعلها تربح الحرب تكتيكياً وتخسرها استراتيجياً. وللدلالة هنا، يجدر لحظ كيف تعاملت تل أبيب أمس مع معلومات تحدثت عن احتمال أن يجري تصويت في الأمم المتحدة لتعليق عضوية إسرائيل فيها؛ فأحد وزراء إسرائيل السابقين قال: أن على تل أبيب أن تبادر وحتى قبل أن تعلق الأمم المتحدة عضويتنا، لإغلاق كل مقار الأمم المتحدة في القدس”!!.

اللافت أن هذا التعليق لا يعبر فقط عن صوت يغرد خارج السرب؛ بل هو جزء من تسعين بالمئة من الأصوات الإسرائيلية التي تفضل الصراخ الأحمق بوجه الموقف الدولي ضد الممارسات الصهيونية، بدل أن تتعقل وتطرح على نفسها السؤال الصحيح، وهو: ما العمل حتى يمكن إعادة ترميم صورة إسرائيل الخارجية..

تجدر الملاحظة هنا أنه مرة واحدة في كل تاريخ الأمم المتحدة، جرى تعليق عضوية دولة فيها. حدث ذلك في ستينات القرن الماضي ضد نظام جنوب أفريقيا الذي اتهمه العالم حينها بممارسة سياسات التمييز العنصري ضد السود. واليوم تواجه إسرائيل احتمال أن تكون هي “الدولة” الثانية بعد جنوب أفريقيا التي يتم وضع صورتها الدولية داخل هذا الإطار المهين؛ ومع ذلك، فإن تل أبيب بدل أن تعالج الاحتمال “بموقف استراتيجي” متعقل ومتدبر ومتفكر؛ فهي تفضل أن تهز قبضتها التكتيكية المجنونة بوجه الإرادة العالمية(!!).

والواقع أن هناك أصواتاً إسرائيلية – ليست كثيرة – تتموضع خارج النمط السائد، وهي تحاول أن تدعو للحظة تأمل ومراجعة لكل السياق الجارف الحالي المستمر من ٧ تشرين الثاني ٢٠٢٣. 

..ويقول أصحاب هذا المنطق أنه حان الوقت كي تخرج إسرائيل من الصورة التي تقصد نتنياهو أن يرسمها لها، ولنفسه بعد حدوث عملية ٧ أكتوبر؛ وهي الصورة التي أخذ يتبنى توصيفها كل السياسيين الغربيين؛ ومفادها “أن إسرائيل جنت”؛ و”أن نتنياهو يقف على رأس المجانين؛ وأنه لن يستمع لنصائح أحد قبل أن ينتقم من حماس التي ارتكبت المحرقة الثانية بحق اليهود”..

ويضيف أصحاب هذا المنطق أنه اليوم، وبعد ستة أشهر من الجنون الإسرائيلي، بات مطلوباً من أجل أمن إسرائيل، أن تستعيد إسرائيل عقلها، وأن تتصرف كدولة عاقلة وليس كقبيلة مجانين تسعى وراء شهية الإنتقام من حماس ومن كل من يقول لها كفى (!!). 

ويقول هؤلاء أيضاً أن المطلوب التوقف والتعقل قبل دخول الحرب إلى شهر رمضان؛ حيث هناك – بنظر إسرائيليين يقودون المسار الأمني – احتمال أن تحترق المنطقة فيما لو استمرت حرب غزة مستعرة..وهنا، يقول هؤلاء: هناك أمران إثنان يجب على إسرائيل أن تتعامل معهما بحذر شديد، ويجب مقاربتهما “بعقل استراتيجي” عميق، وليس “بتفكير أمني تكتيكي” قصير البصيرة:  

الأمر الأول يتمثل بالتالي: يجب أن يعلم نتنياهو وجماعاته داخل معسكر اليمين أن إسرائيل لا تعيش في جزيرة منعزلة، بل تعيش داخل المنطقة؛ وعليه فإنه في حال اشتعلت النيران في المنطقة، فإن إسرائيل ستحترق معها؛ بل ستكون أكثر من يصاب بالأضرار من الحريق.. ولذلك فإن المطلوب من وزراء كابينيت الحرب وقادة إسرائيل أن يمنعوا حريق رمضان في المنطقة..

الأمر الثاني يتمثل بأنه بات على قيادة إسرائيل أن تعلم بأن المجتمع الدولي سحب من إسرائيل “مرحلة السماح” التي منحها لها نتيجة “تضامنه” معها بوجه أحداث ٧ أكتوبر (!!)؛ وعليه بات على كابينيت الحرب أن يأخذ قرارات تراعي الموقف الدولي الصارخ بوجه تل أبيب: كفى..

وحتى هذه اللحظة لا يبدو أن إسرائيل تريد الخروج من أداء دور أنها جنت وأنها لن تسمح لأحد أن يعترض مسارها الذاهب للإجهاز ليس فقط على حماس بل أيضاً على غزة والضفة والقدس وحتى المسجد الأقصى ولاحقاً على حزب الله؛ فالإعلام الإسرائيلي ينقل صورة عن آخر مواقف تل أبيب وواشنطن، توضح بأن إدارة بايدن وإدارة كابينيت الحرب الإسرائيلي، استسلما للأمر الواقع بخصوص أنه لا إمكانية لحدوث هدنة في رمضان؛ وأن القتال سيستمر حتى لو أدى ذلك إلى اشتعال المنطقة كلها!!.

بات واضحاً أكثر من أي وقت مضى؛ أن المنطقة لا تواجه فقط “جنون اليمين الإسرائيلي”، بل أيضاً، وبالأساس، “جنون بايدن السياسي”، وليس فقط الذهني، كما يتهمه خصومه الجمهوريون!!.

Exit mobile version