بهذا المبلغ البسيط تصبح من أغنى نصف سكان العالم.. كم هو؟
يعتبر اللامساواة، في الدخل والثروة، واحدة من أبرز المشاكل التي يعاني منها النظام الاقتصادي العالمي في الوقت الراهن، وهذه المشاكل ظهرت نتائجها بشكل واضح، في تقرير “الثروة العالمية لعام 2023” الذي أصدره في وقت سابق، كل من مصرفيْ “كريدي سويس” و”يو بي إس”، حيث تبين أن 46 بالمئة من إجمالي الثروات العالمية، البالغة قيمتها 454.4 تريليون دولار أميركي، كانت في أيدي 1.1 بالمئة من مجموع البالغين في العالم.
والمفارقة الكبرى في تقرير “الثروة العالمية لعام 2023″، كانت الأرقام التي أظهرت أن أي شخص في العالم، يحتاج أن يملك أصولاً صافية بقيمة 8654 دولاراً أميركياً، حتى يصبح ضمن أغنى نصف سكان العالم، في حين أن المبلغ المطلوب لكي يصبح الفرد ضمن أغنى 10 بالمئة من سكان العالم هو 137.333 دولاراً أميركياً. أما إذا أراد الفرد أن ينتمي إلى فئة الـ1 بالمئة من أغنى أغنياء العالم، فيجب أن تصل ثروته إلى ما مجموعه حوالي مليون وثمانين ألف دولار أميركي.
وفي هذا الشأن، قال المحلل الاقتصادي محمد الحسن، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن مبلغ 8654 دولار أميركي، الذي قال تقرير “الثروة العالمية لعام 2023” إنه يجعل من يمتلكه ضمن أغنى 50 بالمئة من سكان العالم، هو مبلغ ضئيل جداً بالنسبة للكثير من الأشخاص في العالم، ولكنه ليس كذلك لفئة كبيرة من الناس، وخاصة أولئك الذين يعيشون في مناطق الفقر المدقع في العالم، والذين يحققون دخلاً يومياً يتراوح بين دولار أو دولارين كحد أقصى، وبالتالي فإنه مع احتساب متوسط عدد الناس الفقراء في العالم، يتحول الرقم الذي ذكره التقرير إلى رقم منطقي، إذ هناك أكثر من مليار نسمة في العالم، تعيش ما دون مستوى الفقر.
ورأى الحسن أن الحلّ يكون بردم هوة عدم المساواة، من خلال أنظمة ضريبية أكثر عدلاً وكفاءة، فالنهج الاقتصادي المعتمد في أوروبا وأميركا والذي يفرض المزيد من الضرائب على ثروات الأغنياء، لتمويل الخدمات الاجتماعية الأساسية، مثل الرعاية الصحية والتعليم، ساهم في القضاء على الفقر، مشيراً إلى أن خطوات مثل إعادة توجيه الأطر الضريبية والمالية، وإدارة التغير التكنولوجي السريع، هي أمور بالغة الأهمية، لمكافحة آفة عدم المساواة بجميع أشكالها ومظاهرها.
من جهته، رأى المستشار المصرفي بهيج الخطيب، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن الحل لمشكلة التوزيع غير العادل للثروة يكون عبر وعي الشعوب، ومحاربة الاستعمار والعمل على خلق أنظمة اقتصادية، تؤمن العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص أي الاشتراكية الحديثة، فمن هنا يمكن أن تبدأ رحلة تخفيف الفوارق بين طبقات المجتمع، وتأمين سعادة الإنسان.
وكشف الخطيب أن دراسة “كريدي سويس” و”يو بي إس”، تخلص الى أن هذا التوزيع غير العادل للثروة، يعيق النمو الاقتصادي في العالم، ويعزز تكديس الثروة في أيدي حفنة قليلة من الأفراد، معتبراً أن المعيار الموضوعي لقياس ثروة الفرد، يقوم على مدى قدرته على تأمين مداخيل، تتيح له الإنفاق على المتطلبات الأساسية للعيش الكريم واللائق، مثل المسكن والغذاء والتعليم والصحة والتنقل، فضلاً عن الإنفاق على الكماليات ثم السلع الفاخرة، وبالتالي فإن المعيار الذي تم اعتماده في تقرير “كريدي سويس” و”يو بي إس” والذي اعتبر أن مبلغ 8654 دولار أميركي، بمثابة الخط الفاصل بين الفقر والغنى يحتاج الى مزيد من الدقة والموضوعية، وذلك لأن امتلاك هذا المبلغ، لا يتيح للفرد تغطية الكثير من نفقاته، ما يعني أنه ليس من الأغنياء.