خاص الهديل
بقلم: ناصر شرارة
لا يزال المقترح الذي قدمه الرئيس الأميركي بايدن في خطاب حالة الإتحاد عن بناء ميناء بحري مؤقت في غزة لإيصال المساعدات عبره إلى قطاع غزة، يحمل من الأسئلة عن خلفياته بأكثر بكثير مما يقدم من الأجوبة…
وأبرز هذه الأسئلة هو عما إذا كان هذا المقترح يظهر مدى العجز الذي بلغته إدارة بايدن تجاه الحكومة الإسرائيلية، بحيث أنها لا تستطيع الضغط عليها لتمرير المساعدات عبر معبر رفح؛ أم أن هذا المقترح يظهر مدى إنسجام وموافقة إدارة بايدن الضمنية مع خطة الكابينيت العسكرية ضد غزة وحماس؟!
الأمر الثاني الذي يثيره مقترح بايدن بإنشاء ميناء مؤقت على شاطئ غزة، هو أنه حتى عملية بناء هذا الميناء تثير أسئلة حول ماهيته، حيث أن الخبراء يعرفون أنه من غير الممكن فنياً إقامة رصيف على النحو الذي تحدث عنه بايدن..
السؤال الثالث هو عن من سيدير عملية توزيع المساعدات الإنسانية التي سيوصلها الأميركيون عبر هذا الميناء إلى داخل غزة (؟؟). فواشنطن تقول أنه لن تسمح بنزول أي جندي أميركي من الجنود الأميركيين الألف الذين سيحرسون هذا الميناء، إلى أرض قطاع غزة؛ بمعنى أن الأميركيين لن يشاركوا في عملية توزيع هذه المساعدات وأن مهمتهم ستتوقف عند إيصالها إلى رصيف الميناء؛ ولكن واشنطن لا تقول بالمقابل من هي الجهة التي ستوزع المساعدات على الغزاويين الجائعين(؟؟): هل هي قوات الاحتلال الإسرائيلية، أم وكالات إغاثة دولية؟؟؛ ومن ستكون هذه الوكالات التي سترث وكالة الأونروا المحكوم عليها بالإعدام من قبل الولايات المتحدة الأميركية.
وزير الدفاع الإسرائيلي غالانت صرح بأن أحد أهم نتائج هذا الميناء العائم المؤقت، يكمن في أنه سيقضي على حكم حماس في غزة.. وكلام غالانت هذا يكشف أن المهمة الأساسية لهذا الميناء، هو تقويض حكم حماس في غزة؛ وليس الاستجابة لتحديات المجاعة في القطاع!!
والواقع أن هذه النقطة الأخيرة تثير بالأساس التساؤل المركزي عما إذا كان هذا الميناء سيكون قادراً فعلاً على حل مشكلة المجاعة التي بدأت تظهر ملامحها بوضوح في غزة. ودوافع الشكوك هنا، تنطلق من أن المجاعة الراهنة في غزة مفتعلة، وليست أمراً ناتجاً عن ظرف طبيعي كالزلازل مثلاً، أو عن أمور خارجة عن السيطرة البشرية؛ ذلك أن وقف المجاعة في غزة أمر متوفر في حال قررت واشنطن فتح المعابر البرية التي تمنع إسرائيل فتحها، وفي حال تم فك الحصار عن غزة الذي تضربه حولها قوات الإحتلال الإسرائيلي.. كما أن إدخال المساعدات إلى غزة يلزمه ساعات فقط فيما لو تم ذلك عبر المنافذ البرية بين مصر وغزة أو بين إسرائيل وغزة؛ بينما وصول هذه المساعدات عينها عبر البحر، يلزمها أيام..
.. أضف إلى ذلك أن الأميركيين يقولون أن بناء الميناء يلزمه أشهر؛ في حين أن المجاعة في غزة تنتشر ساعة بعد ساعة..
أما السؤال الأخطر الرابع فهو يتعلق بتأثيرات افتتاح هذا الميناء على معبر رفح وعلى موقع رفح داخل حرب إسرائيل على غزة؛ والمقصود هنا هو كيف ستتفاعل التأثيرات المختلفة الأنواع لخطوة إنشاء الميناء على علاقة مصر بغزة.. وتأتي في مقدمتها التأثيرات السياسية الإستراتيجية؛ فتاريخياً معروف أن هناك “ثلاثية ذهبية” تعتمد عليها مصر لترسيخ وجودها السياسي داخل غزة: “عامل الحدود المشتركة وبضمنها معبر رفح”، و”عامل العلاقة التاريخية والتقارب الاجتماعي” وعامل “العلاقة مع حماس”. وما يقوم به الميناء العائم الذي يصفه الأميركيون حالياً بأنه مؤقت، هو أنه يضرب أحد أهم العومل الثلاثة الذهبية (الحدود – رفح) التي تعتمد عليها ثلاثية علاقة القاهرة السياسية بغزة.
إن خطوة بايدن بإنشاء الميناء يستجيب بشكل أساسي لشكوى تل أبيب المفتعلة، بخصوص أن معبر رفح لا يمرر فقط المساعدات الإنسانية والبضائع لغزة، بل أيضاً السلاح لحماس، وأيضاً يستجيب للزعيم الإسرائيلي بأن معبر رفح هو معبران واحد فوق الأرض والثاني وهو الأهم يقع تحت الأرض وتديره حماس!!
والواقع أن كل التهم الإسرائيلية لمعبر رفح هدفها ضرب علاقة مصر الإيجابية بقطاع غزة، وترك الأخير من دون حدود برية؛ وتحديداً من دون حدود مع مصر، ومن خلالها مع العرب.. وعليه فإن إرسال بايدن لمينائه العائم إلى غزة، إنما يأتي في سياق دعم رؤية إسرائيل لفرض حصار عربي على غزة وذلك عن طريق جعل القطاع لا يملك إلا حدوداً واحدة، وهي الحدود البحرية مع البوارج الحربية الأميركية في المياه المشتركة القبرصية الفلسطينية المنسقة مع الحدود الأمنية التجارية مع إسرائيل التي ستكون بحسب خطة بايدن هي المسؤولة عن الإشراف الأمني على إدارة توزيع المساعدات الإنسانية داخل قطاع غزة..