خاص الهديل
بقلم: ناصر شرارة
لم يقل آموس هوكشتاين خلال زيارته الأخيرة للبنان “جملة سياسية كاملة”. هذا أقله هو الإنطباع الذي ساد كثيرين من المسؤولين اللبنانيين الذين التقى بهم؛ ولكن هناك اعتباراً لا يزال غامضاً، وهو ما إذا كان هوكشتاين كشف أمام الرئيس نبيه بري ما لم يكشفه أمام كل الآخرين الذين التقى بهم..
ثمة جوين إثنين ساد المحافل السياسية اللبنانية عن زيارة هوكشتاين إلى لبنان، الأول يقول أن زيارته حملت طروحات يمكن وصفها أنها تحت سقف ما كان متوقعاً؛ ذلك أن هوكشتاين اكتفى بالمطالبة بأن يعود مستوطني “شمال اسرائيل” بمقابل أن يعود نازحو القرى الحدودية اللبنانية. وهذا الاقتراح يعني أن هوكشتاين لم يأت ليطرح تسوية كما ظهر في جولاته السابقة؛ بل ليحصل إنجازاً محدداً لإدارته، وهو النجاح في إطفاء المواجهات في الجنوب اللبناني، من دون وقف الحرب في غزة.
الجو الثاني قال أن هوكشتاين لم يطرح هذه المرة أية أفكار حول ترتيبات حدودية (النقاط الـ١٢ وال بي ١، الخ..)، أو حتى حول المسافة التي على حزب الله أن ينسحب منها عن خط الحدود مع إسرائيل؛ بل كل ما طرحه هو أن يوافق الحزب على أن لا يكون له ظهور مسلح علني في منطقة عمل اليونيفيل في جنوب الليطاني.
والواقع أن كل هذه المعطيات الآنفة أعلاه حول ما حمله هوكشتاين معه في زيارته الأخيرة للبنان، تقود إلى تصنيفها بأنها كانت زيارة “تحت سقف ما كان متوقعاً”؛ وبأنها لا تعبر عن وجود وساطة أميركية تجاه الوضع على الحدود بين لبنان وإسرائيل؛ بقدر ما تعبر عن رغبة أميركية بإثبات مجرد حضور لواشنطن في هذا الملف المتفجر كترجيع للحرب في غزة. ولكن بعض المصادر تعزي سبب اكتفاء هوكشتاين بطروحات عامة، إلى أنه حينما خطط للقيام بزيارة لبنان، كان رهانه أن تحصل زيارته في نفس الوقت مع سريان هدنة غزة الرمضانية، ولكنه عندما وصل إلى بيروت اكتشف أن هدنة غزة طارت، وعليه قرر أن يملء وقت زيارته بمواضيع غير جوهرية، والاكتفاء بإثبات حضور أميركي على جبهة الشمال، وتسجيل مواقف من قبيل عدم ربط وقف النار في غزة بوقف النار بين الحزب وإسرائيل، الخ..
وانطلاقاً من حصيلة “عدم النتائج” التي أسفرت عنها زيارة هوكشتاين، تقول مصادر مطلعة أمرين إثنين أساسيين:
أولاً- هوكشتاين أصبح مقتنعاً بأنه لا وقف للنار بين لبنان وإسرائيل قبل وقف النار في غزة؛ وأن تعقيدات الحل على هذه الجبهة لا تقل صعوبة عن التعقيدات القائمة على جبهة غزة. والسبب هنا لا يعود فقط لأن الحزب يربط بين وقف النار على جبهتي لبنان وغزة؛ بل أيضاً لأن نتنياهو طور موقفه من ملف الحرب بين إسرائيل والحزب، حيث بات نتنياهو يتبع مع حزب الله على الحدود الشمالية نفس الإستراتيجية التي يتبعها مع حماس في غزة؛ فمع الأخيرة يعتمد نتنياهو سياسة مؤلفة من ثلاثة عناصر: أ- لا وقف للنار قبل إطلاق الأسرى؛ ب- الضغط العسكري على حماس هو الذي يؤدي لإطلاق الإسرى؛ ج- تحقيق النصر على حماس.. ومع حزب الله يكرر نتنياهو نفس مبادئه الثلاثة هذه، التي يرفعها بوجه حماس، ولكن مع تعديلات بالشكل تراعي اختلاف الظرفين: أ- لا وقف للنار مع الحزب إلا بعد تحقيق مطالب تل أبيب؛ وهي انسحاب الحزب لخط شمال الليطاني؛ ب- الضغط العسكري هو الذي يحقق مطلب إسرائيل وليس الضغط الدبلوماسي وحده؛ ج- بمثلما يطرح نتنياهو ورقة دخول رفح كخيار نهائي للقضاء على حماس كلياً يطرح أيضاً الحرب الشاملة على لبنان كخيار نهائي للقضاء على حزب الله كلياً!!
ثانياً- ملف المواجهات القائمة حالياً بين إسرائيل والحزب قد يكون أصبح أكثر إرتباطاً بموضوع رفح؛ والسبب في ذلك أن الحل في غزة مع وصوله إلى مرحلة فتح معركة رفح؛ سيصبح حلاً إقليمياً عربياً أميركياً، ولن يكون حلاً فلسطينياً إسرائيلياً. والسبب في ذلك يعود لكون نتنياهو يرفض توقيع اتفاق وقف حرب مع حماس أو مع السلطة الوطنية الفلسطينية أو مع أي جانب فلسطيني؛ إنما يريد توقيعه مع أطراف عربية ودولية؛ بمعنى يريد توقيع اتفاق ضمانات دولية وإقليمية لإسرائيل.. وبنفس هذه الطريقة يفكر نتنياهو بالمشهد النهائي على الجبهة الشمالية مع حزب الله.. بمعنى أنه إذا كانت معركة رفح تضمن لنتنياهو – من وجهة نظره – فتح باب الضمانات الإقليمية لأمن إسرائيل في غزة؛ فإن نتنياهو يعتقد أيضاً أن تزخيم مواجهات جنوب لبنان من خلال شن حملة قصف إستراتيجية لفترة محدودة على لبنان؛ ستؤدي بإثرها إلى توقيع وقف نار مصحوب بضمانات دولية وإقليمية ولبنانية “لأمن إسرائيل” على الحدود الشمالية !!