الهديل

وقفات وتأملات مع أنوار العبادة في رمضان

وقفات وتأملات
مع أنوار العبادة في رمضان

الشيخ مظهر الحموي

عضو المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى

في أنوار العبادة في رمضان ،  تتبدد كل الظلمات ، وتنكشف كل الحجب ، وتسقط كل الأسوار ، وتفيض مجامع الأسرار ، وتنكمش آماد التنائي ، وينداح شاطىء العرفان ، وترف أطياف الجنان ، وتتنسم الأرواح عبق الطهر الأسمى في مراقبة العلى ، فيخلو العبد بسيده ، ليطرح لواعج القلب في مقام القرب ، ويضج بالسؤال في مرتع العطاء والنوال ، ويبلغ نهاية القصد وذروة المجد ، بشوق المحبين ، وفوز الواصلين ، وشغف الذاكرين : وإذا سألك عبادي عني فإني قريب …
وفي أنوار العبادة في رمضان تشرق الأنوار في قلوب المؤمنين ، وتسطع الحقائق الإيمانية في نفوسهم ومداركهم ، ويتسامون الى الملأ الأعلى ، بصفاء التضرع ، وخشوع التبتل ، ونقاء التجرد ، وإخلاص التوجه .
وفي أنوار العبادة في رمضان ، تتلألأ الأنوار في رحاب المساجد بما يرتفع فيها من طيوب المناجاة ، وما يتغشاها من فيوض التجليات ، وما يرتادها من توابين أبرار ، ومن ملائكة أطهار ، حيث تتلاشى البلادة التي تطفىء سراج العقل ، وتتحفز الإرادة الى التغيير البصير ، وتتفجر المكامن بأشعة التمحيص ، وتتواكب الأعماق مع رحابة الآفاق….
وفي أنوار العبادة في رمضان،  تصحو الحقيقة الإنسانية على جوهرها العلوي ، وعلى نسبها السماوي ، وعلى شرفها في السجود الملائكي ،  فيخف ثقل الحمأ الترابي ، ويعتدل ميزان التجاذب الكياني ، ويقوم الإنسان من سبات الغفلة ،  مصقول الفؤآد ، موفور العتاد ، ليمازج بين عالميه ، عالم المادة والروح ، وعالم الغيب والشهادة ، وعالم الفناء والبقاء ، في أروع تكاملية متناسقة ، تأخذ من هذا لذاك ، وتضيف من ذاك لهذا ، فتستقيم النظرة ، وتتوحد المسيرة ، فيقيم المؤمن في أعماق الكون بسكينة كما يسكن الكون في أعماق الكون بشفافية ، ويتجه المؤمن الى ما وراء الكون بتفويض ، كما ينسكب المطلق في توجهات الحركة الإرادية ، ويتم السلام الأتم بين داخل الإنسان وخارجه ، مثلما يقوم التناغم الأعم بين المشاهد والمغيب ، والتوحد الجامع بين تعددية الأطياف الملونة ، لتشكيل ذاتية النور..
وفي أنوار العبادة في رمضان تنخفض الجباه لجلال المعبود ، وترتفع الإستعانة الى الحي القيوم ، فتستوفي النفوس مكارمها من الإشراق ، كما تستوفي مغانمها من الرضوان ، وتكتمل لديها كل مراتب العزة ، وأعلى مقامات الإحسان .
وفي أنوار العبادة في رمضان ، تخلع النفوس رداء الإبتلاء ، لترتدي لباس التقوى الواقي من سهام الفتنة ، والحافظ لمدخرات الفوز السباقي القائم بين طيش الهوى وروية الرشاد ، حتى تتمكن النفوس بردائها الواقي والنقي من الإنفلات عن أسر القوى الهابطة ، والإنطلاق نحو المرتقبات السامقة ، وإرتياد عوالم الصفاء والبهاء ، بحرية مطلقة ، وبزاد يقيها الوعثاء ، وفي محفاة تُستوقَدُ من شجرة مباركة أصلها ثابت وفرعها في السماء .
وفي أنوار العبادة تتوارى أشباح الشياطين ، وتفر أفاعي الشر ، وتخمد براكين التمرد ، وتتحول الأرض الى محراب ، والشهوات الى سراب ، والدخائل النفسية الى ينابيع حب ، والعلاقات البشرية الى مودة قربى .
إن للمؤمن مع العبادة قضية تتجاوز المظهر الخارجي للأداء، وهي المعنى القيم في إقامة الدين لله ، والموضوع الملازم لحقيقة الإخلاص في التدين ، والثمرة المرجوة من حركة المؤمن للوصول الى مقام التقوى .
افليس رمضان هو شهر الشهور ، ومفرق الدهور ، بتنزل الآيات ، وتصاعد الطاعات والباقيات الصالحات ، وتألق النور في قلوب المؤمنين ، وفي سدرة المنتهى..
{…نُّورٌ عَلَىٰ نُورࣲۚ یَهۡدِی ٱللَّهُ لِنُورِهِۦ مَن یَشَاۤءُۚ وَیَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَـٰلَ لِلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣱ }

أخوكم الشيخ مظهر الحموي

Exit mobile version