الهديل

خاص الهديل: الحوار المسيحي-المسيحي المستحيل: سبب واحد يوحد زعماء الموارنة!!..

 

خاص الهديل:

بقلم: ناصر شرارة

بعد دعوة جبران باسيل للقاء مسيحي تحت سقف بكركي، اختلف المسيحيون على تلبية دعوته. والاختلاف على مجرد أن يتم عقد لقاء بينهم صار تقليداً، يوازي تقليد خلافهم على نتائجه في حال تم عقده. وأغرب ما يطلبه الزعماء المسيحيون هو ان يسبق اللقاء بينهم اتفاق على نتائج اللقاء وليس على جدول أعماله.. وهذا شرط يلغي وظيفة عقد اللقاء الذي يقع كل هدفه في بحث خلافاتهم حتى يصلوا لاتفاق حولها. 

باختصار، تبين بعد طول تجربة أن الحوار ليس طريقة لحل خلافات الأحزاب المسيحية ولردم الفجوة بين أقطابها المرشحين جميعهم لرئاسة الجمهورية، سواء في هذه الدورة أو اللاحقة.  

خلال الحرب الأهلية جمع إطار الجبهة اللبنانية أقطاب “أحزاب الحرب المسيحية”؛ وانتهت هذه التجربة بكوارث دامية بين بعضهم البعض، تذكر بأحدث الحروب بين عائلات صقليا. 

.. حتى في زمن الحرب ضد الآخر، فإن الزعماء المسيحيين لم ينسوا النيل من بعضهم البعض، تارة تحت شعار توحيد البندقية المسيحية وتارة تحت شعار تنظيم النفوذ، الخ..

ولعل أخطر أنواع الصراعات المسيحية هي تلك التي تحصل تحت سقف بكركي، أو التي تجري بين البندقية المسيحية والجيش اللبناني؛ كونه في هذه الحالة تصبح بكركي مخفراً مسيحيا تسجنها الأحزاب المسيحية المتناحرة داخل نظارته، وذلك بدل أن تكون مرجعية وطنية أعطي لها مجد لبنان؛ ويصبح الجيش قطعة من نسيج الخلافات المسيحية المسيحية ومذهباً جديداً من طوائف لبنان المسيحية، بدل كونه ضمانة وطنية عابرة للمناطق الخمسة وللطوائف الـ١٨..

ومن هنا فإن حذر الكاردينال الراعي من تلبية دعوة باسيل لعقد لقاء مسيحي في بكركي لحل خلافاتهم، مبرر ومفهوم وربما محق. فالراعي يدرك أن دعوة زعماء أحزاب الساحة المسيحية إلى بكركي لن يضيف شيئاً على واقع الحال السائد بينهم؛ فهم لن يتفقوا كرمى لعيون بكركي أو خوفاً من حساب الرب حارسها، أو تحت تأثير إيحاء بكركي الروحي عليهم، وكل ما سيفعلونه هو أنهم سينقلون خلافاتهم من ساحات إعلامهم المتوترة، ومن داخل منصاتهم الإعلامية الرقمية، إلى داخل بكركي التي ستتحول إلى “شيخ صلح”.. وغالباً ما ينال المصلح ثلثي الحصة من اللكمات الناتجة عن العراك.. 

لا توجد رغبة لا عند المسيحيين ولا اللبنانيين عامة بأن يصار إلى نكأ الجراح الماضية، وتذكير الواقع المسيحي بأن خلافاتهم تسببت في الماضي، وتتسبب حالياً بجزء كبير من مشاكلهم؛ بل هناك رغبة عند مسيحيي لبنان بإيجاد تعريف للحوار المفقود بين زعمائهم؛ بمعنى إيجاد معيار يجيب عن سؤال متى يكون هناك إمكانية ليتحاور أقطاب الموارنة السياسيين؛ ومن يوفر هذه الإمكانية؟؟؛ وبالأساس: متى يؤدي اللقاء بينهم إلى توافق و”وحدة قلب وعقل” تجمعهم؟؟.

المراجعة المتعمقة تقول أن أبرز تجربة جمعت أقطاب الموارنة السياسيين جرت في ستينات القرن الماضي ضد اللواء والأمير والرئيس فؤاد شهاب.

آنذاك توحد ريمون اده وكميل شمعون وسليمان فرنجية وبيار الجميل ضد الرئيس القوي فؤاد شهاب المتهم بأنه يماشي السياسة الناصرية في المنطقة.

طبعاً فؤاد شهاب لم يكن ناصرياً؛ وهذا الأمر يعرفه خصومه الموارنة الذين اتحدوا ضده تحت شعار أنه يساير سياسات ناصر الإقليمية؛ فالواقع أن شهاب كان كـ بيار الجميل الذي غطى عهده مسيحياً، وذلك لجهة أنه يعتقد بأن مصافحة ناصر تخفف عن لبنان ضغط صراعه مع المد الناصري.. كما أن شهاب كان أقل من سليمان فرنجية في انحيازه حينها للوحدة السورية المصرية، والتي عاد فرنجية وابتعد عنها ليس لأنها تشكل خطراً أيديولوجياً على لبنان، بل لأنها تدعم فؤاد شهاب بوجه خصومه الموارنة. 

وكل فكرة تجربة شهاب والحلف الرباعي تقول أمراً أساسياً واحداً وهو أن أقطاب الموارنة يتوحدون ويصبحون على قلب واحد، فقط في حال لاحظوا أن هناك زعيماً مارونياً مؤيداً بقوة استثنائية ذاتية أو خارجية، اقتحم عليهم ميدان الزعامة المارونية، أو نادي الرئاسة المارونية، من خارج نسيجهم التقليدي.. 

وعليه فإن زعماء الموارنة يظلون فرادى إلا إذا شعروا أن هناك وافداً جديداً اقتحم عليهم ناديهم، فيصبحوا حلفاً رباعياً مرصوصاً ومؤيداً – كما يزعمون- من سيدة حاريصا!!. 

السؤال اليوم من هي الشخصية المارونية الجديدة التي سيؤدي بروزها إلى إخافة أقطاب الموارنة الثلاثة أو حتى الأربعة، فيتوحدوا بنفس الطريقة التي وحدت بين أقطاب الموارنة الأربعة بوجه شهاب رغم كل خلافاتهم.. 

في إطار الإجابة عن هذا السؤال يجدر التذكير بأن صفات شهاب الثلاث التي أخافت أقطاب الحلف الرباعي حينها ودعتهم مضطرين للتوحد، هي أولاً أن شهاب امتلك صفة أنه أمير في دولة لبنان الكبير، وليس رئيس حزب أو عشيرة عائلية في دولة لبنان الصغير، وثانياً هي أن شهاب امتلك صفة أنه يبني دولة وليس زعامة.. وميزة شهاب الثالثة أنه نصب عند منطقة المصنع خيمة لإرساء استقرار إقليمي في لبنان، اجتمع في ظلها حينها مع عبد الناصر.

 

*المقالات والآراء التي تنشر تعبّر عن رأي كاتبها*

Exit mobile version