خاص الهديل:
بقلم: ناصر شرارة
الوفد المفاوض الإسرائيلي الذي غادر الدوحة قبل يومين، عاد أمس إليها مرة أخرى ليستأنف التفاوض حول إبرام هدنة.. وبالتزامن فإن مسؤول وكالة المخابرات الأميركية الذي لم يشارك في جولة الأيام الماضية من مفاوضات الدوحة، عاد والتحق بفريق الوساطة القطرية والمصرية ليسهم في جهد استئناف التفاوض؛ وبنفس الوقت يتأهب وفد إسرائيلي للسفر إلى واشنطن للتباحث مع الأميركيين بملف رفح.. وبالتزامن أنهى أمس وزير الخارجية الأميركي بلينكن جولة تفاوض صعبة مع نتنياهو، وكان سبقها مباحثات أجراها في كل من القاهرة والرياض.. وداخل كل هذا الحراك السياسي المكثف، انفجرت أمس في مجلس الأمن أول مواجهة بسلاح الفيتو الثقيل بين الصين وروسيا من ناحية والولايات المتحدة الأميركية من ناحية ثانية، حيث أسقطت بكين وموسكو مشروع قرار واشنطن لوقف نار مشروط.. وموقف الصين وروسيا هذا، يعتبر أول اقتراب مباشر من ميدان حرب غزة، الأمر الذي سيضيء لدى واشنطن الضوء الأحمر.
واللافت أن كل هذا الحراك السياسي العالمي والإقليمي لا تزال حصيلته لغاية الساعة، هي “لاشيء”، وذلك باعتراف بلينكن الذي قاله أنه كلما وصلت المفاوضات للمرحلة النهائية، يصبح الاتفاق أصعب، ويصبح الحل أبعد؛ وكما قال أيضاً نتنياهو الذي أكد أنه ذاهب لمعركة رفح حتى لو رفضت واشنطن دعمه..
وبإزاء هذا المشهد المعقد والمكثف دبلوماسياً وسياسياً وعسكرياً، يصبح الموقف الراهن بحاجة لعملية تفكيك لجزئياته حتى يمكن فهم ومعرفة أين هي العقد الحقيقية التي تمنع وقف النار، وما هي المشاريع المضمرة المسؤولة عن إبقاء حرب غزة مستعرة؟؟..
والواقع أن أكثر جزئية تحتاج لإيضاح هي تلك المتعلقة “بالخلاف الأميركي الإسرائيلي” الذي يوجد حوله أسئلة أساسية كثيرة وملحة، ولعل أبرزها السؤال التالي عن طبيعة هذا الخلاف بين تل أبيب وواشنطن: هل هو خلاف استراتيجي وسيؤسس لعلاقة بينهما بشروط جديدة؟؟.
.. بمعنى آخر، هل يؤسس الخلاف الحالي لجعل واشنطن تعيد هندسة علاقاتها بإسرائيل انطلاقاً من معايير تعطي أولوية لمصلحة أميركا في منطقة الشرق الأوسط، وذلك على حساب معايير واشنطن السائدة حالياً والتي تقول أن كل مصلحة أميركا في المنطقة، هي حماية أمن إسرائيل، والتي تقول أيضاً” أنه لا توجد لواشنطن سياسة اميركية في الشرق الأوسط بل توجد سياسة إسرائيلية”؟!!.
حتى هذه اللحظة يوجد اتجاه في الكونغرس لجعل هناك ثمن سياسي يجب على إسرائيل أن تدفعه لأميركا مقابل دعم الأخيرة لها. وهذا الإتجاه يدعو إدارة بايدن بممارسة العقاب الأميركي على إسرائيل حينما ترفض الأخيرة الانصياع لإدارتها السياسية في الشرق الاوسط.. ولكن هذا الإتحاد الذي يرفع عملياً شعار “مصالح أميركا أولاً” ومن ثم تأتي مصالح إسرائيل، لا يزال تياراً أقلوياً رغم أنه لافت وغير ضعيف؛ وأهميته تكمن بأنه يوجد داخله شخصيات يهودية أميركية بارزة، كشومر زعيم الأغلبية الديموقراطية في الكونغرس.
ويعتبر بايدن من أهم الشخصيات الأميركية المعنية بإدارة ملف العلاقات الأميركية الإسرائيلية التي هي الآن في لحظة أزمة، أخطر ما فيها أنها تجري في توقيت حساس جداً سواء للبيت الأبيض الذي هو في مرحلة انتخابات، أو لإسرائيل التي هي في مرحلة حرب.
.. غير أن بايدن لديه مقاربته المميزة في إدارة هذا الملف، وهي مقاربة تقوم على ركنين إثنين: الأول أنه يعتبر نفسه جزء من المشروع الصهيوني؛ ولذلك فإن بايدن يناقش ويختلف مع نتنياهو من موقع أنه موجود داخل مشروع حماية أمن إسرائيل؛ وهذا الموقع لبايدن هو الذي يجعله يتدخل بالشأن الإسرائيلي ليس فقط بصفته رئيساً للولايات المتحدة الأميركية حليفة إسرائيل، بل أيضاً كزعيم اتجاه داخل الحركة الصهيونية، وداخل البيئة النخبوية التي تفكر بمستقبل إسرائيل الاستراتيجي في الشرق الأوسط..
الركن الثاني هو علاقة الحزب الديموقراطي العضوية بقوى المعارضة الإسرائيلية المناهضة لنتنياهو ولتيار اليمين الإسرائيلي، والمؤلفة من اليسار والوسط ويسار اليمين (الخ، ..)، كغانتس ولابيد وايزنكوت وغيرهم..
..ولعل هذه النقطة، هي الأهم من بين كل الخلفيات التي تغذي وتحرك الخلاف الحالي بين بايدن ونتنياهو؛ فالرئيس الاميركي الديموقراطي يعتبر نتنياهو – أو بكلام أدق زعامة نتنياهو – هي امتداد داخل يهود إسرائيل وأميركا (ايباك) لظاهرة زعامة ترامب؛ فيما نتنياهو يعتبر بايدن أنه امتداد لعداء الرئيس الأميركي الديموقراطي أوباما للتيار اليميني في إسرائيل.
وبكلام إجمالي فإن الخلاف الأميركي الإسرائيلي الراهن هو خلاف له صلة عميقة باحتدام الحرب بين ظاهرة الترامبية داخل الحزب الجمهوري وبين الحزب الديموقراطي، وله صلة لا تقل عميقاً بسباق السيوف المسنونة بين نتنياهو ومعارضية المدعومين من إدارة بايدن الديموقراطية وبين بايدن وترامب المدعوم من نتنياهو ونفوذه في ايباك..