خاص الهديل:
بقلم: ناصر شرارة
ما تعلنه إسرائيل من مواقف هو غير ما تقوم به على الأرض؛ فهي تعمد إلى تغطية أفعالها باعتماد خطاب سياسي مضلل. في آخر تحديث لمواقفها تجاه صفقة الهدنة الجاري التفاوض بشأنها الآن، طرح الوفد الإسرائيلي المفاوض مقايضة إطلاق الأسرى الإسرائيليين لدى حماس بورقة موافقة إسرائيل على عودة سكان غزة المهجرين في رفح إلى بيوتهم في شمال غزة؛ ولكن هذا الاقتراح لا يخرج عن كونه مناورة غير قابلة عملياً للتحقق، كون السؤال الذي يطرح نفسه هنا في ظل أن أكثر من سبعين بالمئة من مباني شمال غزة مهدم، وفي ظل أن كل مصادر الحياة الأساسية تقريباً في تلك المنطقة معدومة، هو أين سيقيم هؤلاء العائدون (؟؟)، وكيف سيعيشون (؟؟) ومن سيهتم بهم وبتنظيم غذائهم، الخ..(؟؟).
.. وعليه فإن هذا الاقتراح الإسرائيلي ليس سوى كناية عن مناورة، ولا يعكس وجود رغبة عند إسرائيل لدفع الحل بشأن إبرام هدنة جديدة، خطوة إلى الأمام، خاصة وأن إسرائيل لا تطرح عودة سكان شمال غزة إلى بيوتهم، انطلاقاً من الاعتراف بحقهم في ذلك، بل انطلاقاً من التحايل على شرط بايدن الذي ربط منح موافقته على الحرب في رفح، بإيجاد مكان يتم نقل النازحين الغزاويين من رفح إليه.
وأمس قال رئيس وزراء دولة قطر المتابع لملف التفاوض على صفقة تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل، ان تعثر التفاوض بينهما لا يزال موجوداً عند نقطة الخلاف التي برزت خلال لقاء باريس الذي حصل قبل نحو شهرين؛ بمعنى أنه لم يحصل في كل هذه الجولات اللاحقة من التفاوض، أي تقدم.. وكان رئيس الحكومة القطري واضحاً لجهة أنه يحمل المسؤولية عن عدم تقدم المفاوضات، لنتنياهو، ولحساباته الداخلية، ورغبته بتأجيل الحل في حرب غزة حتى لا يواجه المساءلة عن الإخفاق في ٧ أكتوبر.
والسؤال اليوم الهام هو متى يقرر نتنياهو أنه بات يوجد له مصلحة لإنهاء الحرب؟؟.
هناك إجابتان إثنتان على هذا السؤال:
الأول يقول أن التوقيت المناسب لدى نتنياهو لوقف الحرب هو بعد إجراء الانتخابات الأميركية، ذلك أن نتنياهو يراهن على أن هذه الانتخابات ستبعد بايدن عن البيت الأبيض؛ ليبدأ عهد ترامب؛ وبذلك يتخلص من ثلاث مشاكل:
١- التزام بايدن بحل الدولتين كثمن لاستكمال تطبيع إسرائيل علاقاتها مع العرب.
٢- فك العلاقة بين البيت الأبيض وخصمه المنافس له غانتس، وبدل ذلك سيتم إعادة إحياء العلاقة بين البيت الأبيض في عهد ترامب ونتنياهو.
3- وقف الحرب ضمن شروط إقليمية وداخلية إسرائيلية مريحة لنتنياهو سيؤمنها له ترامب.
الإجابة الثانية تقول أن نتنياهو سيكون مستعداً لوقف الحرب في حال حصل على صورة نصر رمزية ضد حماس. فنتنياهو يدرك أنه لا يمكن القضاء كلياً على حماس ولكنه يدرك أيضاً أن النجاح في تصفية السنوار مثلاً ستمنحه صورة نصر رمزية وحينها يستطيع تغيير المسار وإعلان الانتقال من حالة إعلان الاستمرار بالحرب إلى حالة إعلان الانتصار في الحرب..
يبقى القول أنه بانتظار حصول نتنياهو على واحدة من هاتين الفرصتين، فإنه سيستمر بالنفخ في رياح الحرب، تارة باتجاه رفح وتارة أخرى باتجاه لبنان؛ وثمة خشية من أن استمرار لعب نتنياهو على حافة توسيع الحرب، قد يؤدي بالمنطقة إلى انزلاقها نحو حرب فعلية؛ وحينها سينتقل الشرق الأوسط من حالة تبادل المناورات السياسية إلى حالة دخوله بأتون حرب فعلية.