خاص الهديل:
بقلم: ناصر شرارة
أعلنت إسرائيل منذ يوم أمس عن حالة استنفار إعلامي وسياسي وجوي (سلاح الطيران) بمناسبة اليوم العالمي للقدس والاستعداد للرد الإيراني المحتمل: المقصود بمصطلح استنفار إعلامي، كون كل إعلامها امتلأ خلال الساعات الأخيرة بضخ عشرات السيناريوهات حول كيف سترد إيران على قصف القنصلية الإيرانية في دمشق.. وأراد هذا الاستنفار الإعلامي الإيحاء بأن الحرب قائمة بين إيران وإسرائيل؛ وأن كل المتبقي لاندلاعها هي أن يتم إشعال شرارتها الأولى.
أما الاستنفار السياسي فتمثل بتخصيص الجزء الأكبر من حديث المسؤولين العسكريين والسياسيين الإسرائيليين عن استعدادات إسرائيل للرد الإيراني الذي قد يحصل بصواريخ بالستية تنطلق من إيران وتحديداً عن بعد ألف كلم؛ وهذه إشارة تقصّدها الخطاب السياسي والإعلامي الإسرائيلي ليذكر أوروبا بأن عليها التنبه من جديد لترسانة الصواريخ الإيرانية البالستية ذات المديات القادرة على استهداف الدول الأوروبية. جدير بالذكر أن أوروبا كانت أثارت هذا الموضوع خلال مفاوضات الاتفاق النووي في المراحل السابقة.
وضمن الاستنفار السياسي تم الحديث عن إمكانية أن تضرب إيران إسرائيل عبر قوى تعمل مع الحرس الثوري، وهي تتموضع على نحو يحاصر بالنار فلسطين المحتلة..
وفي عز هذه الحملة السياسية والإعلامية الإسرائيلية تقصد الشاباك أن يكشف أمس عن القبض على خلية مؤلفة من عنصرين؛ قال إنها تابعة لداعش، وكانت تريد زرع متفجرات وإطلاق نار على ملعب رياضي تابع لفريق إسرائيلي.. وقال الشاباك أيضاً أنه ألقى القبض على خلية ثانية كانت تخطط لقتل بن غفير بواسطة قصف سيارته بصاروخ “ار بي جي” ..
.. واضح أن المقصود من إدراج كل هذه السيناريوهات هو إيصال رسالة إعلامية وسياسية للعالم تقول أن إسرائيل هي في حرب دفاعية بوجه إرهاب متكامل يبدأ بداعش وينتهي بإيران..
أما تركيز إسرائيل على “الاستنفار الجوي” الذي غطته إعلامياً أمس لأقصى الحدود، فكان القصد منه القول للرأي العام الأميركي بخاصة، أنه بمقابل كل هذه الجبهات التي تفتحها إيران وداعش وحماس وعشرات المنظمات الأخرى التي تحيط بإسرائيل، فإن وسيلة تل أبيب الوحيدة والفاعلة لحماية إسرائيل ولصد “العدوان الإرهابي عليها”، هو سلاح الجو والطائرات والصواريخ الحربية الأميركية..
ويبدو واضحاً هنا أن مضمون هذه الجزئية الأساسية من الحملة الإعلامية والسياسية الإسرائيلية التي بلغت ذروتها يوم أمس، كان بهدف لتكوين لوبي يهودي وأميركي ضاغط لمنع بايدن من اتخاذ أي قرار – كما يشاع – بتخفيف وتيرة إرسال المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل، عقاباً لنتنياهو المتمرد على البيت الأبيض.
والواقع أن تقصد إسرائيل إدراج الاستنفار الجوي الكلي منذ ليلة أمس، تحت عنوان أنه مصمم لمواجهة أخطار محدقة بإسرائيل من الجهات الأربع، ومن داخلها، وأيضاً من قوى مختلفة بينها داعش التي قررت اغتيال بن غفير تحديداً؛ إنما يريد بدرجة أولى تحقيق ثلاث غايات رئيسة وعاجلة:
مفاد الغاية الأولى القول أن إسرائيل ليست بحالة هجوم أو تغول او حرب إبادة جماعية ضد المدنيين الفلسطينيين؛ بل هي بحالة “دفاع عن النفس” ضد عدو كبير ووفير الأذرع، ويتكون من دولة إقليمية كبرى ومن منظمات تنتشر في دول عدة في المنطقة وتحيط بإسرائيل من الجهات اللصيقة بها، وأيضاً من الجهات البعيدة عنها (البحر الأحمر).. وعليه، فإن التركيز هنا هو بالأساس على فكرة أن إسرائيل في حالة دفاع عن النفس ضد أعداء يحيطون بها.. وبكلام أدق تريد إسرائيل إعادة تفعيل سردية انها محاصرة ببحر من الأعداء اللاساميين الذين يريدون إزالتها وتدميرها!!.
الغاية الثانية هي القول أن حماس وداعش هما في خندق واحد، وهما متحالفان معاً في القتال الراهن ضد إسرائيل؛ وتريد إسرائيل القول أيضاً أنه ليس فقط حزب الله والحوثي وغيرهما، يتبعون إيران، بل داعش أيضاً، بدليل إعلان الشاباك أمس عن اكتشافه خلية تابعة لداعش. والملفت هنا في رواية الشاباك هي توقيت إعلان اكتشاف خلية داعش، وأيضاً تقصد تسليط الضوء على أن عنصريها يريدان اغتيال بن غفير؛ وهذه بلا شك محاولة لتخفيف سمة الإرهاب اللصيقة ببن غفير، وذلك من خلال تصويره أنه مستهدف من الإرهاب الداعشي.
الغاية الثالثة أساسية وواضحة، وهي تستهدف بايدن؛ وذلك عبر القول للأميركيين: “لا تسمحوا لرئيسكم بإيقاف إرسال الطائرات والصواريخ الأميركية لإسرائيل، لأنه من دون هذه المساعدات العسكرية الأميركية سوف تكون أرض الميعاد، وأرض مملكة داوود، تحت رحمة حلف اللاساميين والدواعش العرب والفرس(!!)، الخ…”!!.
وحتى تصبح الحملة الإعلامية والسياسية، والتي تضمنت استنفاراً جوياً حصراً (وليس مثلاً استنفاراً برياً كما العادة)، مكتملة في إنجاز رسائلها السياسية وخاصة بخصوص بايدن. فإن هذه الحملة أبرزت أمس بشكل مكثف خبراً تسرب من مكان ما من داخل ايباك في الولايات المتحدة الأميركية، مفاده أن الجهة التي تضغط على بايدن كي يطالب إسرائيل بوقف النار، هي زوجته(!!)؛ وقد أطال الإعلام الإسرائيلي أمس توقفه عند هذه النقطة، وقال أحد معلقي القناة ١٤ الإسرائيلية أن هناك احتمالين لا ثالث لهما: إما أن تكون زوجة بايدن لاسامية؛ وإما ان تكون غبية (نظراً لتقدمها في السن)؛ وأنا لا أعتقد أنها لاسامية!!.