الهديل

خاص الهديل: قصة انقلاب موقف بايدن من “الثأر ضد غزة” للضغط على نتنياهو!!

خاص الهديل:

بقلم: ناصر شرارة

ثمة استنتاج بات له مناصرون كثيرون بين المراقبين السياسيين، ومفاده أن الرئيس الأميركي نطق أخيراً بالعبارة التي كان هناك حاجة لسماعها حتى يتم التأكد من أن البيت الأبيض يريد فعلاً وقف الحرب.. ومفاد هذه العبارة التي قالها بايدن قبل يومين خلال اتصاله الهاتفي مع نتنياهو هي دعوته للأخير بأنه “صار عليه وقف الحرب”.. 

 

هناك من يقول أن بايدن تأخر حتى نطق بهذه العبارة؛ وأنه كان عليه أن يتفوه بها قبل أن يسقط ماية ألف شهيد وجريح فلسطيني. 

 

من حيث الشكل ربما كانت هذه الملاحظة صحيحة؛ ولكن من وجهة نظر موضوعية وأخلاقية وسياسية يجب النظر إلى بايدن على أنه كان شريكاً فعلياً مع نتنياهو ومع كل إسرائيل، بتخطيط وتنفيذ الجريمة غير المسبوقة التي أصابت غزة. 

 

وهناك عدة معطيات وأدلة تؤكد أن بايدن لم يتأخر عن الطلب من نتنياهو بوقف مجزرة حرب غزة، بل هو منذ البداية وخلال كل مراحل حرب غزة، حثه على ثلاثة أمور: الأول، حثه على القيام بالمجزرة ضد غزة من خلال انتاج إسرائيل قرار اعلان الحرب على غزة؛ والثاني، حثه على الاستمرار بالحرب حتى تدمير معظم غزة؛ والثالث، حثه بعد تدمير شمال غزة، على المناورة عند حدود رفح… 

 

.. والتفاصيل التي تؤكد دور بايدن كشريك في تصميم وتخطيط وتتفيذ حرب غزة، يمكن إيرادها كالتالي: 

 

.. بخصوص الأدلة التي تؤكد أن بايدن حث نتنياهو على إعلان الحرب التدميرية على غزة بعد عملية ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ ولم يكن فقط داعماً لهذه الحرب؛ فإنها عديدة، ومنها حقيقة أن بايدن بعد ساعات من حصول عملية طوفان الأقصى؛ جاء شخصياً إلى إسرائيل؛ وهو لم يكتف بالقيام بزيارة دعم سياسية، أو أنه لم يقم مثلاً للتعبير عن دعمه الأخلاقي والسياسي لإسرائيل، بإلقاء كلمة أمام الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي؛ ولكنه بدل ذلك، تقصد أن يحضر شخصياً اجتماع الكابينيت الذي هو مجلس حرب، وتقصد أن يشارك معه في اتخاذ قرار إعلان إسرائيل حالة الحرب على غزة.. وهذا الإعلان له دلالاته القانونية كونه يسمح لإسرائيل باتخاذ كل الخطوات العنيفة التي لا يمكنها القيام بها في حالات عدم إعلان أنها دولة في حالة حرب. والواقع أن بايدن ظل يغطي جرائم إسرائيل حتى لفته مساعدوه القانونيون إلى أنه يجب عليه إرسال مذكرة ولو شكلية لإسرائيل تطلب أميركا فيها منها عدم استخدام الأسلحة الأميركية ضد المدنيين في غزة حتى لا تتم مساءلة أميركا قانونياً لاحقاً. طبعاً هذه المذكرة أرسلتها واشنطن لإسرائيل بعد ٥ أشهر من قصف المدنيين بالسلاح الأميركي في غزة، وبعد ثلاث مرات صوتت فيها واشنطن بحق النقض ضد وقف النار في غزة في مجلس الأمن.. أضف أن هذه المذكرة أرسلتها إدارة بايدن لتل أبيب في نفس الوقت الذي كانت فيه ترسل شحنات جديدة من السلاح الأميركي لإسرائيل. 

 

والواقع أن كل المعطيات تؤكد أن إسرائيل في الأيام الأولى بعد ٧ أكتوبر لم تكن في وضع معنوي أو سياسي أو حتى عسكري، قادرة فيه على اتخاذ قرار بالانتقال من “حالة الصدمة” إلى “حالة شن حرب”؛ لولا وجود بايدن شخصياً إلى جانب / ومع البيئة الإسرائيلية المسؤولة عن اتخاذ هذا القرار، وهي الكابينيت.. 

 

.. أصلا في الحالات العادية فإن إسرائيل لا تذهب إلى أية حرب قبل موافقة واشنطن؛ ما يعني أنه في ظرف ما بعد يوم ٧ أكتوبر فإن إسرائيل لم تكن فقط بحاجة لموافقة واشنطن على بدء الحرب، بل كانت بحاجة لأن تأخذ واشنطن عنها قرار الحرب بالنظر لكون إرادة اتخاذ قرار الحرب في إسرائيل بعد عملية طوفان الأقصى، كانت شبه مشلولة. وهذا يفسر لماذا بايدن لم يكتف فقط بإرسال أساطيله العسكرية البحرية الى المنطقة، بل حضر بنفسه إلى إسرائيل وجلس شخصياً مع جنرالاتها ومسؤوليها المنهارين داخل الكابينيت؛ واتخذ بالنيابة عنهم قرار بدء الحرب..

 

كان واضحاً لمتابعين عارفين بدواخل العلاقة الأميركية الإسرائيلية أن بايدن كان يكذب حينما قال أنه أرسل أساطيله إلى المنطقة ليردع خصوم إسرائيل من شن حروب عليها بالتزامن مع حرب غزة؛ والصحيح أن بايدن أرسل أساطيله من أجل هدف أهم، وهو القول لإسرائيل أن أميركا تقف أمامك بتحمل مسؤولية اتخاذ قرار الحرب على غزة.. 

 

.. وداخل هذه الجزئية يوجد حالياً نقاش غاية في الأهمية محوره السؤال التالي: هل بايدن كان منذ البداية يريد “الانتقام” (بالمعنى الغرائزي وليس السياسي) من حماس ومن غزة لأنهما شاركا بعملية طوفان الأقصى؟؟.

 

والإجابة عن هذا السؤال تحتم التوقف عند المعطيات التالية: 

أولاً- إن المصطلحات التي تحدث بها بايدن في وصف ٧ أكتوبر لم تكن مصطلحات تناسب رئيس دولة، وبعبارة أدق تناسب رئيس أكبر دولة في العالم. لقد وصف بايدن عملية ٧ أكتوبر بأنها أكبر محرقة تواجه اليهود منذ محرقة الحرب العالمية الثانية!!. 

والواقع أن هذا الوصف ليس دقيقاً لا تاريخياً ولا سياسياً ولا أخلاقياً؛ وكان صححه الأمين العام للأمم المتحدة حينما قال أن ما حصل يوم ٧ أكتوبر لم يحدث من فراغ؛ بل هو نتيجة احتلال إسرائيل الذي صار عمره ٧٥ عاماً. 

 

إن خطيئة تصريح بايدن عن يوم ٧ أكتوبر تتمثل بأنه لا يريد الإعتراف بوجود تاريخ خاص بالشرق الأوسط، بل يريد الإيحاء قصداً أن تاريخ الشرق الأوسط هو جزء من تاريخ مظلومية اليهود في أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية، ولذلك قرر بايدن الحكم على يوم ٧ أكتوبر بوصفه تكراراً لأحداث المحرقة اليهودية في أوروبا، وليس تعبيراً عن رد فعل ضد احتلال طال وضد ظلم مستمر منذ ٧٥ عاماً بحق الفلسطينيين، كما قال الامين العام للأمم المتحدة. 

 

وقصارى القول في هذا المجال أن بايدن تصرف بغريزة الانتقام يوم ٨ أكتوبر ٢٠٢٣؛ واستمر يحمي عملية الثأر الغرئزية الاسرائيلية ضد غزة، حتى لحظ أن العالم بدأ ينبذ موقفه، وحتى شعر – وهذا هو المهم – أن عملية الثأر التي يغطيها ويتبعها من يوم ٧ أيار، بدأت تشعل النار تحت مقعده داخل البيت الأبيض، وبدأت تقلب قواعد الحزب الديموقراطي والولايات المتأرجحة ضده. 

وحالياً ينتقل بايدن من “حالة الثأر” ضد غزة وضد حماس إلى “حالة أستدراك مصالحه الانتخابية”؛ ولكنه في هذه اللحظة يواجه نتنياهو واليمين الإسرائيلي اللذين يطلبان منه الاستمرار معهما في تنفيذ الخطة المشتركة الأصلية بينهما؛ وهي الذهاب حتى النهاية “بحرب الثأر” ضد غزة وضد الفلسطينيين؛ بدل الانتقال عملياً وليس فقط لفظياً وإعلامياً، للتعاطي مع حرب غزة “بمقاربة دول” و”وفق رؤية سياسية” تتمثل بوقف الحرب والدخول في تسوية تاريخية سياسية للقضية الفلسطينية.

Exit mobile version