الهديل

خاص الهديل: عشية لقائه ببايدن: الرئيس السوداني ومشروع البناء الوطني العراقي..

 

خاص الهديل:

 

كتب بسام عفيفي 

تنظر كل من طهران وواشنطن ومعظم الدول الهامة في المنطقة، لرئيس الوزراء العراقي محمد الشياع السوداني على أنه محط ثقة بالنسبة لمشروع تحويل العراق من مساحة صدام إلى مساحة واعدة بالاستقرار لبلد الرافدين ولكل محيطه الإقليمي؛ وهذه مهمة ليست سهلة بالنسبة لبلد له ميزات وخصائص وظروف العراق الجيوسياسية والإقليمية وحتى الداخلية؛ ولكن مع ذلك، فإن الرهان على نجاح الرئيس السوداني في أداء هذه المهمة، بات له دلائل عملية على أرض الواقع..

إن ما نجح الرئيس السوداني بفعله ليس فقط مسك مسطرة التوازنات العراقية الداخلية والإقليمية والدولية من وسطها؛ فهو فعل ذلك باتقان؛ ولكنه أيضاً نجح ببراعة وصلابة في كسر توازنات كان التعامل معها بمنطق أخذ مواقف وسطية منها، يؤدي بالسابق إلى الإضرار بمصالح العراق العليا، كالفساد مثلاً وكمسايرة المغالاة السياسية، سواء جاءت من هذا الطرف الداخلي أو الإقليمي أو ذاك.. ببساطة وسطية الرئيس السوداني يتم قياسها من قبله بكفتي الميزان وليس بمكيالين، الكفة الأولى تمثل مصالح العراق العليا والكفة الثانية تمثل الحفاظ على توازنات العراق الاستراتيجية التي لا يجب استفزازها على نحو غير مدرك للواقع والوقائع. وهذه خصائص السوداني التي أثبتت أنها تحفظ للعراق مصالحه ولا تعرض توازناته الحادة الداخلية والخارجية إلى الإختلال.

.. اليوم يستعد الرئيس السوداني لزيارة الولايات المتحدة الأميركية والاجتماع هناك مع الرئيس الأميركي بايدن ومع كبار المسؤولين الأميركيين. ومن خلال متابعة الإعلام العالمي الذي يتحدث باهتمام عن هذه الزيارة؛ وأيضاً من خلال متابعة تصريحات مسؤولين أميركيين عنها؛ يتضح أمراً مشتركاً بين كل هذه التصريحات، وهو التركيز على أن أهم ما يميز هذه الزيارة هو أن الأميركيين سيجتمعون هذه المرة بشخصية عراقية أوجدت فارقاً نوعياً داخل العراق وداخل التوازنات الإقليمية الخاصة بالعراق؛ وأبعد من ذلك داخل لعبة الأمم الدولية الجارية منذ عقود فوق أرض العراق..

هذه المرة، يذهب الرئيس السوداني للقاء رئيس الولايات المتحدة الأميركية وهو يحمل معه ثقة المجتمع الإقليمي والدولي به؛ فالسوداني في رصيده السياسي الإقليمي عدة نجاحات كان لها الفضل في تحقيق إنجازات استراتيجية للاستقرار الإقليمي؛ وليس أول هذه الإنجازات ولا آخرها، دوره في إطفاء الخلاف الايراني السعودي الذي كان يؤرق المنطقة، ودوره في مد لبنان بأوكسجين صمود بعض قطاعاته الاقتصادية الحيوية كإسهام منه لدعم جهود عدم تفلت أمن بلد الأرز الاجتماعي، الخ.. وإلى ذلك يصل السوداني إلى البيت الابيض كرئيس للعراق؛ كل العراق وليس كما كانت تجري العادة كرئيس لطرف عراقي أو كممثل لحكم عراقي منفصل عن كل واقع العراق.. هذه المرة يصل المسؤول العراقي الأول إلى البيت الأبيض، وفي جعبته مواقف وطنية عراقية تمثل العراق السياسي الموحد؛ فالسوداني خلال الفترة الأخيرة والراهنة بذل ويستمر ببذل جهد واع ومسؤول من أجل رسم صورة غير منقسمة لمواقف القوى العراقية، أقله حول المواضيع الأكثر أهمية ذات الصلة بمستقبل وحدة العراق السياسية والوطنية..

.. لا يختلف إثنان على أن العراق يمر بظروف يسودها الخلافات بالرأي وتباينات في المواقف حول أكثر من ملف؛ وبنفس الوقت لا يختلف مراقبان موضوعيان على أن الرئيس السوداني وجد في كل أزمة واجهت العراق خلال عهده المستمر، طريقاً وطريقة لمنع اتساع الاختلاف ليصبح خلافاً له انعكاساته السلبية على أرض الأمن اليومي في العراق.. ويمكن القول أن جزء من أمن العراق اليوم مبني على عامل ثقة كل الأطراف بقدرة الرئيس السوداني على بناء تجربة وطنية جديدة في العراق تكمل ما كان انقطع من المسار التاريخي لتطور العراق على أسس سليمة.

والواقع أن مسيرة التجربة الوطنية، أو بتعبير أدق، مسار البناء الوطني في العراق الذي يقوده الرئيس السوداني، ستكون زيارته لواشنطن مناسبة لتأكيد حرصه عليه؛ ولكن مع أهمية هذه الزيارة، إلا أنه لا يمكن النظر إليها على أنها نقطة بداية الرئيس السوداني في تطويع التحديات وحلها؛ حيث بداية السوداني على مستوى الأهمية الوطنية لمهمته، كانت حدثت وتحدث وستحدث داخل العراق، ومن خلال إنجازاته التي قام ويقوم بها داخل بلده؛ وهي الإنجازات التي جعلت العالم يلتفت إليها بوصفها مؤشرات تؤشر إلى أن العراق سيعيد رسم توازناته داخل محيطه بدل أن يبقى مجرد متلق غير فاعل للتوازنات المحيطة به..

Exit mobile version