خاص الهديل:
بقلم: ناصر شرارة
تنفس اللبنانيون الصعداء بمناسبة أنه تم ضبط الوضع الأمني بعدما تبين أن واقعة قتل باسكال سليمان المؤسفة والنكراء، حدثت “بالصدفة”، وليس هناك أية خلفيات سياسية لها..
.. لقد أكد أمس قائد الجيش العماد جوزاف عون للكاردينال الراعي أن “الصدفة وحدها” هي المسؤول الرئيسي عن التسبب بمقتل باسكال سليمان؛ فالمغدور كان من بين عدد من سائقي السيارات الذين “مروا بالصدفة” على كمين عصابة السرقة؛ ولكنه الوحيد الذي “وقع بالصدفة” بين فكي الكمين الذي تخلله شجار بين باسكال وبين زعيم العصابة الذي بادره بضربات متتالية على رأسه، ما أدى لوفاته.
والواقع أن قيام العماد جوزاف عون بوضع تفاصيل ما توصل إليه التحقيق حتى اللحظة أمام الكاردينال الراعي؛ جعل الأخير ينضم لزوجة الفقيد المغدور التي قادت حتى قبل أن تصل إليها أخبار التحقيق، مبادرة دعوة الجميع إلى ضبط النفس والتعامل مع الحادثة على أنها جريمة برسم القضاء والأجهزة الأمنية والدولة حتى لو كانت “دولة الصدفة”.
وكان لافتاً أمس أن كل البلد سار وراء تعقل زوجة الفقيد باسكال سليمان التي قالت ثلاثة جمل وطنية ودينية وأخلاقية مفيدة: الأولى “إنها مسيحية مؤمنة”.. والثانية أنها “تتكلم بإسمها”.. والثالثة أنها “تريد القانون أن يحاسب”.
أحياناً، وخاصة في بلد كلبنان، يصبح المواطن هو المسؤول العاقل الوحيد، رغم أن تاريخ أحداث العنف السياسي يقول أن المواطن يكون بالعادة هو آخر من يضبط غرائزه، وآخر من يتحكم بتصرفاته خلال الأزمات ذات الطابع الاستفزازي كتلك التي حدثت ليلة أول من أمس بعد شيوع خبر مقتل سليمان.
والمهم الآن حسبما قال أمس معظم مسؤولي البلد السياسيين والأمنيين والإعلاميين والفنانين والنقابيين وجمعيات استرداد أموال المودعين واللجان المطالبة بكشف حقيقة تفجير المرفأ (الخ،..)، هو أنه ثبت بالدليل وبحسب اعترافات الجناة أن الجريمة حصلت بالصدفة، والمهم أيضاً – وربما الأهم – هو أنه ثبت لكل اللبنانيين وجمعياتهم ونقاباتهم ومسؤوليهم، أن الأمن في لبنان هو “رهن حدوث صدفة” إن لم يتضح على نحو سريع، أو بالوقت المناسب، انها “صدفة”؛ وأنها ليست عملاً مدبراً وراءه خلفيات سياسية؛ فإن هيكل أمن الصدفة سوف يتعرض لانهيار كبير!!.
أمس طرح جبران باسيل في مجال تعليقه على الحادثة المؤسفة عدة سيناريوهات افتراضية، معتبراً أنه لو حصل واحد منها كان ذلك كافياً بحصول نتائج خطرة لا يمكن توقعها في هذه اللحظة.. من بين هذه السيناريوهات الافتراضية التي أشار إليها باسيل، هو أن “يكون رئيس عصابة سرقة السيارات الذي “قتل بالصدفة” القيادي في القوات اللبنانية الذي “مر بالصدفة” بجانب كمين العصابة، “هو بالصدفة” مسلم من الطائفة الشيعية أو مسلم من طائفة أخرى؟؟. وفي ختام افتراضه هذا؛ سأل النائب جبران باسيل: عندها ماذا كان سيحدث؟؟.
.. طبعاً الافتراض كما طرحه باسيل وارد وممكن وقد يحدث، ذلك أن عصابات السرقة لا تضم فقط نازحين سوريين، بل لبنانيين من كل الطوائف وحتى أيضاً من المراتب الاجتماعية والسياسية، نظراً لأن الشر والفساد ليس له طائفة ولا جنسية، وهو أحياناً يكون شعبياً وأحياناً رسمياً؛ ولكن بالمقابل هناك أيضاً سيناريو افتراضي ممكن التحقق في حال حصلت “صدفة” أن يكون القاتل بدل النازح السوري هو مسيحي أرثوذكسي أو ماروني أو أرمني أو أيضاً مسلم شيعي أو سني أو درزي، الخ.. ومفاد هذا السيناريو يفترض أن تحدث “صدفة ثانية” من قبيل أن تقوم زوجة المغدور المسلمة أو المسيحية وتكرر نفس موقف زوجة باسكال التي وقفت من بين معمودية حزنها؛ وقالت ثلاثة أمثولات وطنية ودينية وأخلاقية: أولاً أنا مؤمنة وهنا يمكن إضافة عبارة مسيحية أو مسلمة أو بوذية (الخ.. ) وراء كلمة مؤمنة لأن الإيمان الحقيقي يوحد الأديان بالعمق وبالجوهر وليس بالصدفة.. وثانياً “أنا أتحدث بإسمي”؛ لأن الحزن كالجمر لا يشعر به ولا يعبر عن كنهه، إلا من لامسه؛ وثالثاً “أريد أن يحاسب القانون”؛ لأن الثأر العشائري أو السياسي، هو الناطق الرسمي بإسم “دولة صدفة” وليس بإسم دولة القانون والعدالة والمؤسسات.