الهديل

خاص الهديل: مقتل باسكال كشف الترابط الخطر القائم بين تضخم الديموغرافيا وبين تضخم الاحتقان السياسي والطائفي

خاص الهديل:

بقلم: ناصر شرارة

هناك عدة فرضيات يتم إمعان النظر بها في هذه المرحلة داخل لبنان، وهي ذات صلة بجريمة قتل باسكال سليمان: 

الفرضية الأساسية بين هذه الفرضيات تتمثل بالسؤال التالي الذي يتوجب على المستويين السياسي والأمني طرحه على أنفسهم ومفاده عن مدى نسبة الصدفة أو العفوية ومدى نسبة التعمد والقصد بخصوص ما حصل من ردود فعل في الشارع على جريمة قتل باسكال سليمان(؟؟). بكلام آخر هل ردود الفعل التي اتسمت بالعنف، كانت موجهة أم أنها كانت عفوية؟؟ وما هي نسبة كليهما؟؟. 

 

طبعاً الأجهزة الأمنية يفترض أنها تدقق بكل الأحداث التي حصلت كردود فعل على مقتل سليمان؛ وقد يكون مفيداً على هذا الصعيد الإشارة إلى أن هناك ثلاثة أنواع حصلت من ردود الفعل: 

 

ردود فعل ركزت على التعرض للنازحين السوريين على اعتبار أن أفراد العصابة التي قتلت سليمان هم سوريون، وعلى اعتبار أيضاً أن جثته نقلت إلى سورية وتم تركها هناك. 

 

.. لكن داخل عملية الانتقام هذه من النازحين السوريين، توجد مشكلة أخلاقية وأمنية؛ ومفادها أنه لا يجوز أخذ بريء بجريرة مجرم؛ فجعل كل السوريين المقيمين في لبنان داخل دائرة الاستهداف؛ هو أمر ليس فقط غير منصف وغير إنساني؛ بل أيضاً ينطوي على مخاطر أمنية كبيرة.

 

ويجدر في هذا المجال الإشارة إلى عدة نقاط حيوية أهمها أنه ليس باستطاعة لبنان إنهاء وجود النازحين السوريين فوق أرضه بالقوة حتى لو أراد كل اللبنانيين ذلك. والسبب هو الرفض الدولي لهذا الإجراء، والثاني لوجستي وعملي وواقعي ومفاده أن طرد مليوني نازح سوري من لبنان ممكن أن يحصل بمقابل ثمن واحد، وهو تعريض البلد لحرب أهلية.. وما يجدر تذكره هنا هو أن الحرب الأهلية في لبنان لم تبدأ عام ١٩٧٥ عندما بدأ إطلاق النار؛ بل هي بدأت في عقد ستينات القرن الماضي حينما بات نمط العلاقة بين اللاجيء الفلسطيني والواقع اللبناني هو نمط أمني حاد..

 

إن كل مشاكل الدول مع النزوح الموجود فيها، تظل قابلة للحل طالما أن هناك مساحة تعاطي بذهنية دولة مع هذا النزوح وليس بذهنية موقف عنصري أو موقف أمني لجماعة منه.. فمثلاً تجربة أحزاب اليمين المتطرف في الدول الأوروبية مع ملف وفود المهاجرين غير الشرعيين إليها، تتسم بالفشل لأنها تفضي إلى نشوء معالجة عنصرية لهذا الملف؛ بينما معالجة الدولة في أوروبا لملف المهاجرين تتسم بالنجاح ولو أن هذا النجاح يحدث تحت سقف الشكوى من آثاره. 

 

بكل الأحوال يجب على كل المجموعات اللبنانية الاقتناع بأنه يجب الامتناع عن أخذ القانون بالأيدي أو عبر المبادرات الحزبية، وليس عبر الدولة.. وبدورها الدولة يجب أن تعرف أن الأمن يكون بأفضل أحواله حينما لا يتم تجريبه، وحينما يتم الحصول عليه بأسلوب سياسي.

 

وبالمحصلة يجب لفت النظر إلى أن ملف النازحين السوريين سيتحول إلى ملف قادر على إشعال لبنان، فيما لو تم التعاطي معه بالنار وبذهنية ما دون الدولة..

 

وتقتضي الحكمة أن لا يتم النظر إلى ملف النازحين السوريين من ثقب جريمة حصلت، أو بوصفه قضية رد فعل على حادثة أو عدة حوادث؛ بل يجب النظر إليه بوصفه قضية تدخل في نطاق علاقة دولة بدولة. 

 

.. وللمرة الألف يجب التذكير بأنه لا حل لملف النازحين السوريين إلا من خلال توفر عدة عناصر أبرزها التعاون والتنسيق بين لبنان وسورية لإعادتهم؛ وثانياً بلورة موقف لبناني من قضية النازحين السوريين تظهر أن لبنان يتحمل هذا الملف نيابة عن أوروبا وكل المجتمع الدولي؛ وأن على الأخيرين تحمل المسؤولية.

 

النوع الثاني من ردود الفعل على جريمة قتل سليمان، حاولت تسييس الجريمة كون القتيل هو من حزب معين لديه موقف سياسي يتناقض جذرياً مع جهة حزبية ثانية..

 

والواقع أن هذا النوع من الردود كان هو الخطر الأكبر، كونه اكتسب خلال لحظات معينة، منحى خطراً جداً؛ ولكن أمكن احتواء هذه الردود سياسياً وبعد ذلك أمنياً.  

 

النوع الثالث من الردود جاءت لتلفت النظر إلى عدة قضايا هامة أولها أنه ليس صحيحاً أن الأمن في لبنان ممسوكاً، وأن البلد بألف خير؛ والصحيح أن البلد يواجه احتمالات انفجارات أمنية وعسكرية وذلك لعدة أسباب أهمها الخلط الحاصل في التعاطي السياسي والإعلامي بين كيفية مواجهة التضخم الديموغرافي من جهة والاحتقان السياسي والطائفي وحتى الايديولوجي من جهة ثانية.. يجب هنا المسارعة لفك ألغام هذا التداخل وهذا الخلط؛ ويجب عزل كل منهما عن الآخر؛ لأن احتكاكهما هو أسرع وصفة لحدوث الانفجار..

إن الأزمة التي أشعلتها قضية مقتل باسكال سليمان أضاءت الضوء الأحمر بخصوص أن الأمن في لبنان بات يحتاج لعلاجات سياسية، أبرزها إنهاء الشغور الرئاسي الذي بات استمراره لا يؤدي فقط الى عدم انتظام عمل الدولة، بل أيضاً إلى إحباط واحتقان في الشارع المسيحي؛ كما يجب المسارعة لإعادة ملف النازحين إلى كنف الدولة ونزعه من كنف الشارع.

Exit mobile version