الهديل

خاص الهديل: طهران بين نموذج سقوطها في كمين أوكرانيا ونموذج تجنب كمين بايدن!!.

خاص الهديل:

 

بقلم: ناصر شرارة 

دخلت حرب غزة في مرحلة جديدة عنوانها انتظار رد إيران على الاعتداء الإسرائيلي على القنصلية الايرانية في دمشق.. 

والسؤال الملح الذي واكب حرب طوفان الأقصى منذ بدايتها، تم استبداله الآن؛ فهو لم يعد عن اليوم التالي في غزة بعد توقف إطلاق النار (؟؟)؛ بل أصبح ماذا عن اليوم التالي في الاقليم بعد تنفيذ إيران ردها على إسرائيل؟؟.

واللافت من خلال ما حدث طيلة الأيام لأخيرة، هو أن الدول ذات الشأن في العالم تقصدت أن تتصرف إعلامياً وسياسياً وعسكرياً، ليس فقط على أساس أن الرد الإيراني العسكري بات وشيكاً وحتمياً، بل على أساس أوحى وكأن هذا الرد الإيراني حصل فعلياً، وأن الاقليم دخل في مرحلة نتائجه السياسية والعسكرية والاعلامية.

وهذه الطريقة في تعاطي دول الغرب سياسياً وإعلامياً مع أجواء الحديث عن الرد إيراني على اعتداء قنصلية طهران في دمشق، يدفع المراقب إلى استنتاج أمر أساسي وهو أن الجيل الجديد من الحروب ابتداء من أوكرانيا وصولاً للاستتباعات حرب غزة، بات لها صيرورة واحدة “طبق الأصل”، حيث هناك تناسخ وتشابه بين مقدمات التوتر التي أدت لحرب أوكرانيا وبين نفس المقدمات الحاصلة اليوم والتي ستؤدي على الارجح لنشوب حرب بين إيران وإسرائيل… فآنذاك وقع الهجوم الروسي على أوكرانيا بواسطة الاعلام الغربي وتصريحات المسؤولين الغربيين قبل أن يبدأ عسكريا من جانب روسيا، حيث أن جنرال الإعلام والتصريحات الرسمية الغربية سارت أمام الجيش الروسي إلى الجبهة واستمرت تطلق بالنيابة عن موسكو مدافع الحرب الروسية على أوكرانيا حتى قبل أن يعطي بوتين لجيشه أمر الهجوم: نار.

جوهر الفكرة هنا أن الإعلام والمناورة السياسية الغربية التي تمت ممارستها على أعصاب بوتين قبيل قراره ببدء الحرب على أوكرانيا تمارس اليوم هي ذاتها على إيران.. وكأن الهدف هناك مع روسيا في أوكرانيا، هو ذاته الآن مع إيران في حرب غزة؛ أي توريطها في حرب شرق اوسطية تبدأ ولا تنتهي كما تورطت روسيا في حرب أوروبية في أوكرانيا بدأت وليس واضحاً متى ستنتهي. 

ويلاحظ أنه يتم اليوم مواكبة حدث توقع الرد الإيراني على إسرائيل بنفس الأسلوب الإعلامي والسياسي الذي واكب من خلاله الغرب توقع بدء حرب روسيا على أوكرانيا. وهذه المواكبة تتسم بأنها “توريطية” وليست “تحذيرية”؛ وهي تستخدم ثلاثة مفاتيح: الأول هو أن موعد الحرب بات وشيكا: ساعات؛ بل ربما بدأ (أي سجن المعني بشن الحرب داخل توقيت معنوي لها وليس مهنياً)؛ الثاني تكرار القول أن واشنطن لن تسمح (…)، إلا إذا!! (وهنا إشارة كاذبة للطرف المعني بالحرب بأن واشنطن ليست طرفا). الثالث: توقع هجوم محدود عسكريا (الإيحاء للطرف المعني بالحرب أنه لن يتورط في مستنقع، بل يمكنه تنفيذ ضربة مدروسة أو بأسوأ الأحوال حرب محدودة). 

وفي حال تم جمع هذه المفاتيح الثلاثة داخل لوحة واحدة سيتضح بسرعة أن الجهة التي تقف وراء هذه الحملة الإعلامية – وليس التغطية الإعلامية – هي واشنطن، وأن هدف هذه الحملة هي إحراج وإغراء الطرف المعني كي يبادر لبدء الحرب..

والسؤال اليوم هو هل تنجح حملة الاغراء والاحراج الأميركية والغربية مع إيران كما نجحت مع موسكو، فتجرها لمستنقع حرب شرق اوسطية تمولها واشنطن وتغرق فيها دول المنطقة. 

من الصعب تصديق الكلام الأميركي الذي صدر عن البيت الأبيض والخارجية الأميركية طوال الأيام الأخيرة؛ والمقصود هنا قولهما أن نتنياهو لم يخبر بايدن بعملية ضرب القنصليةالايرانية واغتيال مسؤول فيلق القدس في سورية ولبنان!!. 

ببساطة لن يقبل كابينيت الحرب ولا الجيش الإسرائيلي مع نتنياهو أن يقدم على خطوة تؤدي إلى فتح جبهة مع إيران من دون ضوء أخضر أميركي!!. 

.. وعليه يصبح السؤال الحقيقي في هذه اللحظة ليس لماذا ضرب نتنياهو قنصلية إيران؛ بل لماذا وافقت أميركا على قيام إسرائيل بالتحرش عسكريا بطهران؟. 

والواقعية السياسية الباردة تحتم في هذه اللحظة انتظار أجوبة على ثلاثة أسئلة: 

الأول كيف ستهندس إيران ردها(؟؟)؛ هل ستجد بالدرجة الأولى هدفا، وهل ستجد بالدرجة الثانية أسلحة مناسبة تتوسلهما في هذا الرد ويمكناها من تنفيذ ضربة لا تؤدي إلى تورطها في حرب.. بكلام أوضح هل طهران ستكون أعقل من موسكو؟؟.

السؤال الثاني هل بات بايدن يعتبر حرب غزة بمثابة فرصة لتنفيذ استراتيجيته عن الاندماج الإقليمي في الشرق الاوسط الهادفة من ناحية إلى ضمان أمن إسرائيل على مستوى كل المنطقة وليس فقط على مستوى دائرة صراعها مع الفلسطينيين؛ والهادفة من ناحية ثانية إلى بناء تحالف إقليمي في المنطقة منقاد من أميركا ما يؤكد ان نفوذها في الشرق الأوسط لم يتآكل وانها باقية فيه رغم انشغالها الاستراتيجي بشرق آسيا. 

السؤال الثالث يتصل بأن نشوب حرب بين إيران وإسرائيل بغض النظر عن منسوب تدخل واشنطن فيها؛ سيؤدي إلى تقديم ثلاثة أجوبة ملحة تطرحها على نفسها أبرز أطراف هذه الحرب (طهران واشنطن تل أبيب): 

الجواب الاول هو حول ماهية إسرائيل الإقليمية الجديدة بعد كل نتائج ٧ أكتوبر ٢٠٢٣.. 

والجواب الثاني هو عن إيران الإقليمية الجديدة بعد نتائج مجمل حرب غزة. 

الجواب الثالث هو عن الولايات المتحدة الشرق اوسطية الجديدة؟!!.

واضح أنه لا هدنة في غزة؛ وأنه أصلا لا معنى لإيقاف الحرب في غزة، قبل معرفة التوازنات التي ستذهب إليها البيئة الإقليمية الجديدة في المنطقة؛ وعليه فإن المطلوب اليوم بالنسبة لبايدن هو تغيير شكل الحرب وليس إيقاف الحرب التي عليها انتظار نتائج صدام الارادات مع طهران؛ فيما المطلوب بالنسبة لنتنياهو هو تأجيل وقف الحرب بانتظار انتهاء حرب بايدن مع إيران.  

والواقع أن رسم هذه التوازنات الجديدة في المنطقة كما هي موجودة في دفاتر ادارة بايدن، تحتاج لاستكمال حرب غزة الإسرائيلية الفلسطينية، بصدام إقليمي في الشرق الأوسط.. والسؤال الذي يبرز بشكل تلقائي هنا هو هل تخلى بايدن عن استراتيجية منع توسع حرب غزة إقليمياً؟؟.

أحد الأجوبة عن هذا السؤال يقول أن بايدن انتقل من استراتيجية منع توسع الحرب إقليمياً إلى استراتيجية احتواء الحرب الإقليمية أي تنظيمها وليس منع نشوبها. 

ويدور التوقع هنا عن حرب استنزاف طويلة لإيران ولدول المنطقة، مرشحة كي تسير – زمنياً – جنباً إلى جنب مع حرب أوكرانيا الأوروبية… 

.. باختصار يمكن القول بشيء غير قليل من الثقة: لقد انتهت حرب نتنياهو الذي فشل في تسجيل صورة نصر مطلق في غزة وعلى السنوار، والآن قد نكون على وشك دخول مرحلة بدء حرب بايدن الذي سيسعى خلالها لتسجيل نصر إقليمي لإسرائيل ولاستراتيجية بايدن عن الاندماج الإقليمي في الشرق الأوسط!!.

Exit mobile version