خاص الهديل:
بقلم: ناصر شرارة
سئل جيك سوليفان مسؤول الأمن القومي في إدارة الرئيس بايدن، قبل نحو شهرين تقريباً، السؤال التالي: هل ترى واشنطن أن حرب غزة هي حلقة شديدة العنف داخل حلقات الصراع على الهوية المستمرة منذ نحو ماية عام بين الفلسطينيين والإسرائيليين (؟؟)؛ أم ترى واشنطن أن حرب غزة هي حلقة شديدة العنف داخل حلقة الصراع الإقليمي المستمر في الشرق الأوسط منذ خمسين سنة بين إيران من جهة وإسرائيل والولايات المتحدة الاميركية من جهة ثانية؟؟.
.. من دون تردد، وعلى نحو يظهر أن لديه قناعة مسبقة بما سيقوله؛ أجاب سوليفان قائلاً: أرى أن الأمرين معاً هما سبب الحرب الناشبة في غزة..
وأضاف أن أميركا تعلم وترى ما تقوم به إيران من هز للاستقرار في الشرق الأوسط، وهي – أي أميركا – ستتعامل مع هذا التحدي الآن!!
الملاحظة الاساسية التي تثيرها إجابة سوليفان، هي عبارة “ان واشنطن ستتعامل مع التهديد الإيراني الإقليمي الآن”.. والواقع أنه لم تمض سوى أسابيع قليلة على كلام سوليفان، حتى حصل الإعتداء الإسرائيلي على قنصلية طهران في دمشق والذي أسفر عملياً عن اغتيال الصف الأول في قيادة فيلق القدس؛ وهو الفيلق الذي تعتبره واشنطن أنه هو المسؤول – حسب خطابها السياسي – عن تنفيذ سياسة طهران الساعية لهز الاستقرار في الشرق الأوسط..
والسؤال الذي يطرح نفسه داخل إطار إجابة سوليفان عن دور إيران في خلفيات حرب غزة من جهة، وعن “أمر العمليات الأميركي” الذي أشار إليه في إجابته عن أن “إدارة بايدن ستتعامل مع خطر إيران على الإقليم الآن”؛ أي خلال حرب غزة، وليس لاحقاً بعد توقفها؛ هو التالي: هل فعلاً إدارة بايدن لم تكن تعلم بنية إسرائيل قصف القنصلية الإيرانية في دمشق، أم أنها كانت تعلم وهي التي أعطت الضوء الأخضر لتنفيذها؛ بدليل ما ورد في إجابة سوليفان عن أن واشنطن تعتبر أولاً أن أحد الأسباب العميقة لحرب غزة هو سلوك إيران الذي يهز الاستقرار في الشرق الأوسط، وأن واشنطن ثانياً “سوف تتعامل مع هذا الخطر الإيراني الإقليمي الآن” وليس بعد انتهاء حرب غزة. واستكمالاً للصورة ذات الصلة بخلفيات القرار الذي يقف وراء الاعتداء على قنصلية إيران في دمشق؛ تجدر الإشارة إلى أن هذا الاعتداء أدى إلى اغتيال الصف الأول في فيلق القدس؛ وهو الفيلق الذي تعتبره واشنطن هو المسؤول عن تنفيذ توجهات سياسة إيران الإقليمية، وهو – أي الفيلق – الذي قصده ضمناً سوليفان حينما قال في إجابته ان واشنطن ستتعامل مع “الخطر الذي تسببه إيران للشرق الأوسط الآن”(؟؟)..
إذا صح أن إدارة بايدن تريد أن “تتعامل أمنياً وعسكرياً الآن” مع ما تسميه بخطر إيران الإقليمي؛ فإن هذا يقود إلى عدة استنتاجات تدعو للقلق البالغ ومنها: ١- ان عملية قنصلية طهران في دمشق هي بداية أميركية – إسرائيلية لفتح ملف إيران الإقليمية؛ ٢- ان الرد الإسرائيلي على الهجوم الإيراني سيكون رداً سياسياً دولياً وبالتالي عسكرياً؛ بمعنى أنه سيكون محظوراً على تل أبيب أن تتصدر في المنطقة المشهد العسكري ضد إيران؛ أولاً، لأنها لا تستطيع فعل ذلك؛ وثانياً لأن قرار الحرب والتسوية مع إيران في الشرق الأوسط هو أميركي؛ وثالثاً لأن واشنطن لا تريد توسيع حرب غزة بل تريد الاستثمار الاستراتيجي في هذه الحرب لتحقيق ما يعرف بمبدأ بايدن للشرق الأوسط الذي من أهم أهدافه إنشاء حلف دولي إقليمي في الشرق الأوسط يخفف عبء المواجهة مع إيران عن أميركا التي تريد التفرغ لمنطقة شرق آسيا؛ ويكون هذا الحلف بقيادة واشنطن وتكون إسرائيل جزء أساسياً داخله.
والواقع أن الرد الإسرائيلي على الهجوم الإيراني كما تم تنفيذه أمس يؤشر إلى حقيقة أن نتنياهو يلتزم بشكل صارم بأمر العمليات الأميركي الذي لا يريد أن تكون إسرائيل رأس حربة المواجهة مع إيران في الشرق الأوسط.. أضف أن نتنياهو عقد على ما يبدو صفقة مع بايدن قوامها “ضوء أخضر أميركي لدخول إسرائيل رفح بمقابل رد إسرائيلي تحت السقف الأميركي على إيران”!!