الهديل

خاص الهديل: هذه هي صورة قواعد الحرب بين حزب الله وإسرائيل بعد نصف عام من المواجهة!!

خاص الهديل:

بقلم: ناصر شرارة

تتراكم المعطيات التي تفيد بأن توسع الحرب في غزة لتشمل لبنان هو أمر مستبعد ولكنه يظل وارداً كأحد المفاجآت التي قد تؤدي إليها تداعيات حرب غزة.

وصار واضحاً أن حزب الله يخوض حرب المواجهات في جنوب لبنان تحت ثلاثة سقوف يحاول الحفاظ عليهم وعدم تجاوزهم: 

السقف الأول مفاده أن حزب الله لا يريد أن تتحول المواجهات في جنوب لبنان إلى حرب شاملة مع إسرائيل..

 

السقف الثاني أن حزب الله لن يقدم على إيقاف النار في الجنوب إلا بعد توقف النار في غزة.

 

السقف الثالث أن حزب الله يلتزم بقواعد الاشتباك القائمة بينه وبين إسرائيل منذ يوم ٨ أكتوبر الماضي؛ ولا يريد الخروج عنها؛ شرط أن لا تكسرها إسرائيل بشكل حاد.

 

ولكن ما يحدث سياسياً وعسكرياً في حرب غزة وفي المنطقة، يجعل هناك صعوبة – وليس استحالة – في أن يحافظ حزب الله على درجة حرارة مضبوطة لسخونة الوضع في الجنوب، فيما درجة السخونة السياسية والعسكرية في المنطقة وفي غزة، ترتفع إلى منسوب عال جداً.. 

 

وبعد اختبارات نصف سنة من المواجهة في الجنوب تبين أن كلاً من طرفي المواجهة؛ أي إسرائيل والحزب، وضعا خطة عمل عسكرية يقوم كل منهما من جهته بتنفيذها، وذلك بانتظار ما سيحدث من تطورات: خطة أهداف حزب الله خلال الأشهر الماضية تمثلت بإعماء مواقع التجسس الإسرائيلية المنتشرة على الحدود الإسرائيلية مع لبنان وذلك عبر تدميرها.. أما خطة أهداف إسرائيل فتمثلت بإيقاع خسائر في الكادر الوسطي القيادي الميداني للحزب.. وأيضاً التدرج بتدمير الخط العمراني اللبناني المواجه للحدود [حافة الحدود].

 

لا يمكن لحزب الله في تقييمه لحصيلة نصف عام من المواجهة في الجنوب؛ إنكار أن إسرائيل استثمرت في الفجوة التكنولوجية القائمة لصالحها بينها وبين الحزب، وذلك من أجل تسجيل نقاط تفوق ميداني عليه.. ويقال أن إرتفاع حصيلة الخسائر في كادر الحزب، سببه التفوق التكنولوجي الإسرائيلي.. بالمقابل لا تنكر الدراسات العسكرية الإسرائيلية في تقييمها لنصف عام من المواجهة مع حزب الله، أن الأخير يتدرج في إدخال أنواع السلاح التي يملكها إلى الميدان؛ وهدف الحزب من ذلك أنه يريد إبقاء الغموض البناء هو الزاوية التي يقف فيها العدو، ما يجعله لا يملك تصوراً دقيقاً حول كيف سيتصرف حزب الله في حال حصل تصعيد للمواجهات في جنوب لبنان..

 

خلال الأسبوع الماضي أدخل حزب الله أنواعاً جديدة من السلاح إلى ساحة المواجهات؛ وكان من نتائج ذلك سقوط نحو ١٨ إصابة في صفوف موقع عسكري إسرائيلي في بلدة عرب العرامشة.. الخبراء المواكبون للمواجهات بين الحزب وإسرائيل، لا يدرسون فقط نوعية السلاح الجديد الذي أدخله الحزب في المواجهة؛ بل هم بنفس الوقت، وباهتمام أكبر، يدرسون السبب السياسي والعسكري الذي دفع الحزب لأخذ قرار إدخال سلاح جديد في المواجهة؟؟.

 

الإجابة الموثوقة عن السؤال الثاني تفيد بأن حزب الله يريد في كل فترة من عمر هذه المواجهة، إيصال رسالة قوية لإسرائيل تذكرها بأن عليها عدم التوصل لاستنتاج خاطيء يفيد بأن قدرات حزب الله العسكرية ضعيفة، وتسمح لإسرائيل بتوسبع الحرب ضده وإلحاق هزيمة به..

 

إن عملية عرب العرامشة جاءت في توقيت سياسي يتناسب مع حزمة الرسائل التي طيرتها إيران للعالم، وذلك بمناسبة الاستثمار السياسي والعسكري في هجومها الصاروخي على إسرائيل؛ ولكن من جانب آخر، فإن حزب الله أراد من وراء “عملية عرب العرامشة” التي بيٌن فيها أنه يملك سلاحاً إضافياً وخبرات عسكرية إضافية؛ القول لنتنياهو “لا تفعل”؛ بمعنى أنه يجب على نتنياهو أن يدرك أن نجاحات الجيش الإسرائيلي التكتيكية في جنوب لبنان لا يجب أن يقرأها المستويان السياسي والعسكري في إسرائيل بأنها أدلة كافية على أنه يمكن هزيمة الحزب من خلال شن حرب شاملة على لبنان. 

 

وبكلام إجمالي: إن حزب الله يتمرحل في تظهير إمكانياته العسكرية؛ وإحدى أهدافه من ذلك إظهار صورة تفيد بأن التحضيرات العسكرية للحزب تؤكد أنه لا يسعى للحرب، بل إلى مواجهة سقفها إسناد غزة وستتوقف مع توقف الحرب على غزة.. وبنفس الوقت خلال هذه المواجهة وبنفس المستوى، يسعى الحزب لإشعار إسرائيل بين وقت وآخر، بأن عليها التيقن من أنها لا تملك التفوق الاستراتيجي العسكري عليه، وأن يثبت لها – أي لإسرائيل – أن موازين القوى الظاهرة والغامصة لا تمكنها من التفكير بشن حرب شاملة على لبنان. 

 

حتى الآن يبدو أن إسرائيل تتعايش تحت سقف رسائل “ضبط الوضع” التي يوجهها حزب الله في الجنوب؛ وأيضاً يستمر من جهته الحزب بالتعايش مع خروقات حادة ترتكبها إسرائيل بين فترة وفترة بحق قواعد الاشتباك على جبهتها مع لبنان. وبالإجمال يمكن القول أن الطرفين (الحزب واسرائيل) يتعايشان حتى الآن مع معادلة أنهما لا يريدان لأسباب استراتيجية نشوب حرب شاملة بينهما؛ لأن مثل هذه الحرب ستكون كلفتها أكبر بكثير من أي ثمن سياسي يمكن جنيه منها في هذه الظروف العالمية والإقليمية، الخ.. أضف لذلك أن إسرائيل تعتقد هي نفسها انها سترتكب مغامرة أقرب بالمفهوم العسكري للحماقة، في حال فتحت بوجهها جبهة ثانية تضاف لحربها على غزة؛ وبالمقابل فإن حزب الله الذي قبل أن ينقاد وراء ساعة صفر لبدء حرب لإسناد غزة حددتها له حماس، ولم تحددها حارة حريك؛ لن يقبل بأن تحدد له حماس أيضاً ساعة البدء بحرب شاملة مع إسرائيل!!..

 

وتثير حالياً زيارة رئيس الحكومة وقائد الجيش إلى باريس الأسئلة حول موقع القرار ١٧٠١ على جدول أعمالها؛ والسؤال ليس عن مجرد وجود هذا القرار على طاولة نقاش الاليزيه مع زائريها اللبنانيين ميقاتي وعون؛ بل عن قدرة باريس على أن تقوم بتعريب حل للبنان في العالم ومع واشنطن؛ بحيث يتضمن هذا الحل وقفاً للنار بين الحزب وإسرائيل يكون مستقلاً عن ما يحدث في غزة؛ ذلك أن المتوقع هو وصول الحرب في غزة إلى وقف غير معلن لإطلاق النار، ما يعني عملياً استمرار الحرب في غزة بوتيرة أخرى تدوم شهور أخرى كثيرة أو حتى سنوات؛ وهنا تبرز مشكلة لدى لبنان قوامها حصول ربط بين وقف النار على جبهته الجنوبية مع إسرائيل، وبين إعلان وقف رسمي للنار في غزة، وليس بإعلان وقف نار غير معلن في غزة؟؟!.

Exit mobile version