الهديل

خاص الهديل: نصائح للخماسية: الوصفة الأميركية عن فخامة الرئيس من ماكلنتوك إلى جونسون(!؟)..

خاص الهديل:

بقلم: ناصر شرارة

على نحو غير قليل، تبدو أن الخماسية الدولية والإقليمية من أجل لبنان، تراوح مكانها، ولا تقدم طريقاً عملياً يعتد به للخروج من أزمة الشغور الرئاسي.

ويدور همس مسموع عن أن هناك خلافات بين أعضائها الذين هم سفراء الدول الخمسة: الولايات المتحدة الأميركية، فرنسا، مصر، السعودية وقطر.. وغير مرة نفت الخماسية بشكل رسمي أن يكون هناك خلافات بداخلها؛ ولكن هذا النفي كان يقابله إصرار من قبل الإعلام على أن ثمة ثلاثة اتجاهات داخل الخماسية؛ أحدها تقوده قطر وهو لا ينسجم مع توجه باريس؛ والثاني تقوده فرنسا وهو لا ينسجم مع الاتجاه الصامت وقليل التعبير عن نفسه، الذي تقوده واشنطن، الخ..

 

ولو صدق المراقبون هذا التقسيم للمواقف داخل الخماسية؛ فإن هذا سيظهر الخماسية على أنها لوحة من الكلمات المتقاطعة صعبة الحل!!..

 

.. والمهم الآن ولو من حيث الشكل، هو أن الخماسية تستمر بالعمل، ويتحدث بإسمها السفير المصري بعد كل جولة تقوم بها عى ممثلي أحزاب طوائف البلد، ملمحاً إلى أن جوهر التقدم الذي تحاول الخماسية البناء عليه، هو حصيلة معطى لبناني داخلي إيجابي؛ وليس معطى خارجياً إقليمياً أو دولياً، ومفاد هذا المعطى الداخلي الإيجابي هو أن أحزاب الطوائف وعدت بأنها ستبدي مرونة وستنفتح على خدمة إيجاد حل للشغور الرئاسي!!..

 

ولا يختلف إثنان في لبنان على أن عبارة “الوعد بإبداء مرونة” لها معنى سحري حينما يكون المقصود بها حصرياً الثنائي الشيعي، كونه حينها سيصبح تفسيرها أن كلاً من حزب الله وحركة أمل أصبحا مستعدين لمقاربة أمرين إثنين جوهريين، وهما التفاوض على إسم غير سليمان فرنجية؛ وقبول الانخراط بالجهد السياسي لإنتاج حلول للأزمات اللبنانية قبل توقف الحرب في غزة. 

 

وإذا صح أن الثنائي الشيعي قدما “وعداً بإبداء مرونة” ذات صلة بهذين الأمرين حصراً؛ فحينها يصبح السؤال عن “المرونة المقابلة” ومن سيقدمها؛ وما هو مضمونها؛ وضمن أي إخراج سيتم تبادل صفقة الحل المؤلف من تلاقي التنازلات الداخلية وربما الخارجية أيضاً، عند منتصف الطريق؟؟. 

 

خلال الجولات الأخيرة للخماسية لم يظهر أن أحداً من الاحزاب عند وعده بإبداء المرونة؛ وظهر ذلك من خلال الحوار الذي تم تسريبه بين السفيرة الأميركية والدكتور سمير جعجع. خلال اللقاء طلبت ليزا جونسون من جعجع أن يعطي أولوية لانتخاب رئيس على حساب إسم هذا الرئيس وكيف سيتم انتخابه. فهم جعجع من كلام جونسون أن واشنطن لا مانع لديها من وصول أي مرشح للرئاسة حتى لو كان سليمان فرنجية؛ وفهم جعجع أن جونسون ليس لديها مشكلة مع كيفية انتخاب فخامة الرئيس، سواء عبر حوار يؤدي لصفقة تسبق عملية الانتخاب؛ أو عبر انتخاب حر ديموقراطي من دون حوار!!

 

ووقع كلام جونسون على مسمع جعجع يساوي تراجيع زلزال عنيف، كونه يعني له، أن واشنطن تسلم بالتوازن القائم داخل البلد، وهي تعرف أنه لصالح حزب الله؛ ويعني أيضاً أن واشنطن تطالب بتطبيق معايير الديموقراطية في كل العالم، بإستثناء لبنان.. لقد قال جعجع لجونسون لماذا لا يحاكي لبنان جلسة انتخاب رئيس الكونغرس الذي عقد الجلسة بعد الجلسة حتى حلت مشكلة شغور الموقع، ديموقراطياً.

 

ربما جونسون تفهم ببساطة كنه ما حدث في أميركا بخصوص تقديم حل ديموقراطي لأزمة تتعلق بتعثر أصاب انتظام عمل تداول السلطة في الولايات المتحدة الأميركية؛ لكنها بطبيعة الحال لن تفهم كيف أن جعجع ينصحها بتطبيق “وصفة ديموقراطية أميركية” لإيجاد حل لتداول السلطة في لبنان؛ فجونسون تعتقد بثقة أن لبنان منذ ولادته وخاصة في لحظته الراهنة، يحتاج “صفقة” سياسية، وليس “وصفة ديموقراطية”.

 

بعد ثورة ١٩٥٨ تقصد السفير الأميركي في لبنان آنذاك روبرت ماكلنتوك أن يلتقي ريمون اده وهو يمارس رياضة المشي على كورنيش البحر في المنارة. سار بجانبه متظاهراً بأنه مسرور بالمصادفة التي وفرت له أن يخوض نقاشاً سريعاً معه حول انتخابات رئاسة الجمهورية حينها.. قال ماكلنتوك للعميد اده “أن الاختيار وقع على قائد الجيش فؤاد شهاب كي يكون رئيساً للجمهورية”. لم يخف اده مفاجأته، وأجابه: لبس لدي ملاحظات على شهاب؛ ولكن هذا الخيار مضر بالديموقراطية اللبنانية لأنه سيخلق سابقة مفادها أن كل قائد جيش ماروني سيعتبر نفسه مرشحاً لرئاسة الجمهورية.. 

 

ابتسم السفير الأميركي ماكلنتوك تعليقاً على الاعتراض الديموقراطي الذي طرحه ريمون اده بوجه خيار قائد الجيش فؤاد شهاب؛ وابتعد عنه معتبراً أن “تمرين رياضة المشي” على كورنيش المنارة انتهى؛ فيما كان على ريمون اده إلا أن يكمل السير وحيداً وليس بجانبه الديموقراطية الأميركية.

 

مرة أخرى يحتمل على نطاق واسع أن يضطر المراهنون في لبنان على الديموقراطية الأميركية، أن يسيروا وحيدين من دونها، وهم في طريقهم في العام ٢٠٢٤ لانتخاب فخامة الرئيس المسيحي الوحيد في المنطقة. إن جونسون حينما تحاول إقناع جعجع بقبول رئيس للجمهورية من خارج قناعات ومصالح حلفاء أميركا اللبنانيين؛ إنما هي بذلك تعيد إحياء ذاكرة مهمة روبرت مورفي الذي جاء إلى لبنان عام ١٩٥٨ ليلزم كميل شمعون والمراجع اللبنانية الأخرى الحليفة لأميركا، بانتخاب فؤاد شهاب غير المتصادم مع المشروع الناصري القومي في المنطقة.

 

خلاصة القول هنا أن الخماسية تمثل بوضعها الحالي مشكلة، بمثلما أنه ينظر إليها على أنها تشكل مساراً لإيجاد حل!!؛ وتقع المشكلة نا في أن دول الخماسية تطلب من أحزاب الطوائف إيجاد حل توافقي فيما بينهم على إسم فخامة الرئيس؛ وتتناسى الخماسية أمراً جوهرياً وهو أن أحزاب الطوائف ليس لديهم “ثقافة مساعدة الخارج ليدعم حلاً تم إنتاجه في الداخل”؛ بل كل ثقافتهم تقوم على أن “الخارج هو من عليه أن يتوافق على إسم فخامة الرئيس، كي يصار إسقاطه على الداخل بالمظلات المرقطة”.. 

 

المطلوب أن يعقد سفراء الخماسية خلوات مع أنفسهم، يقومون خلالها كل على حدا، بمراجعة أرشيف تدخل دولهم في انتخابات فخامة الرئيس السابقة: عليهم أخذ العبرة من تجارب دولهم السابقة مع استحقاقات رئاسة الجمهورية في لبنان؛ وأيضاً أخذ العبرة بخصوص مدى الليونة التي استجابت بها أحزاب أو ممثلي الطوائف للحل الذي يتم إسقاطه من الخارج على الداخل.

 

لا شك أنه بنتيجة هذه المراجعة ستكتسف الخماسية أن هناك حلاً من ثلاثة حلول:

 

الحل الأول هو أن تتوافق دول الخماسية على إسم فخامة الرئيس وتسقطه على أحزاب الطوائف؛ وأن تمهد لذلك بتوزيع الأثمان السياسية على هذه الأحزاب أو توزيع “التهويل” عليها وذلك من قبيل القول لها: إما السير بمرشح قرار الخماسية الدولي، وإلا..

  

الحل الثاني هو تفاوض دولي مع الداخل اللبناني، وليس إقناع دولي للداخل كما تفعل الخماسية الآن.. يحب أن تدير الخماسية تفاوض عن ثمن الحل مع أحزاب الطوائف، كون هذه الأحزاب لا تسأل نفسها من هو فخامة الرئيس الأفضل؛ بل “ما هو الثمن الأفضل” للسير بإنتخاب هذا المرشح لنيل لقب فخامة الرئيس دون الآخر؟؟.

 

الحل الثالث أن تفتنع الخماسية بأن حل الشغور الرئاسي يبدأ باتخاذ قرار من دولها، وبالأساس من الولايات المتحدة الأميركية، بأنه يجب أولاً إخراج وضع لبنان من ثلاجة الوقت الإقليمي والدولي الضائع؛ وثانياً بأنه يجب تزخيم إدارة معادلة الخماسية كي تصبح قادرة دولياً على إيجاد حل داخلي للبنان؛ وهذا قد يحتم على واشنطن تعديل الخماسية لتصبح وفق صيغة ٥ + ١، أي إضافة إيران إليها؛ وثالثاً بأنه يجب جعل مسار الحل في لبنان له معنى إقليمي، أي أن يسفر عن استقرار مستدام وليس استقراراً “على القطعة”..

هل الوضع الدولي أو الجزء منه المتمثل بالخماسية جاهز لأي واحد من الحلول الثلاثة الوارد ذكرها أعلاه (؟؟)؛ ثمة شك كبير بأن تكون الإجابة نعم!!

 

Exit mobile version