الهديل

خاص الهديل: قصة حاجز كوكبا الإسرائيلي” تحذر اللبنانيين: انتخبوا الآن “فخامة الرئيس” حتى لا يفوتكم القطار الدولي

خاص الهديل:

بقلم: ناصر شرارة

طالما ردد الرئيس حسين الحسيني أمام محادثيه قصة ولادة اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان.. وملخصها أن واشنطن وموسكو اتفقا بشكل استثنائي على ضرورة إيجاد حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي من خلال إنشاء دولة فلسطينية؛ وقررتا أيضاً أن حل المسألة الفلسطينية يجب أن يسبقه وقف الحرب الأهلية في لبنان.

.. وهكذا هبط مطر الخير الدولي على لبنان وذهب المتقاتلون اللبنانيون إلى الطائف وصاروا حمامات سلام و”رجال دولة جمهورية الطائف الجديدة”؛ وضمن موجبات الحل الدولي الذي نزل على لبنان كالقضاء والقدر، كان يفترض أن يتم إرسال الجيش اللبناني إلى الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة مؤيداً بغطاء فولاذي من التوافق الدولي الأميركي الروسي؛ وحينها تم فعلاً إرسال الجيش نحو الجنوب، ولكن مع وصوله إلى بلدة كوكبا على بعد رشقة حجر من الحدود اعترضته القوات الإسرائيلية. ولم تفهم حينها الدولة في لبنان سبب الإعتراض الإسرائيلي فتم الاتصال بالولايات المتحدة الأميركية لإبلاغها بأن تل أبيب تمنع تطبيق القرار الدولي، ولكن واشنطن أجابت باقتضاب: يحب إعادة الجيش اللبناني من حيث أتى، لأن الإتفاق الأميركي الروسي بشأن حل القضية الفلسطينية تعثر وسقط!!

يعلق حسين الحسيني قائلاً: لقد تم إبرام اتفاق الطائف قبل أسابيع من انهيار الاتفاق الأميركي الروسي على حل القضية الفلسطينية وعلى مبدأ أن يمر هذا الحل بحل أزمة الحرب في لبنان.. وما حدث هو أن موسكو وواشنطن نفذا الجزء الأول من اتفاقهما وهو البدء بوقف الحرب الأهلية اللبنانية؛ واختلفتا قبل تنفيذ الجزء الثاني من اتفاقهما الخاص بحل القضية الفلسطينية..

 

ويتساءل الرئيس الحسيني: لو أن لبنان تأخر لأسابيع قليلة فقط عن إبرام اتفاق الطائف، لكان اختلف الأميركيون والروس قبل توقيعه؛ ولكان لبنان لا يزال حتى الآن داخل أتون في الحرب الأهلية..

 

إستعادة كلام الرئيس حسين الحسيني يبدو مفيداً لعدة اسباب كونها جميعها لها صلة بوضع لبنان في اللحظة الراهنة:

 

أولاً- لأن قصة ولادة اتفاق الطائف كما يرويها الحسيني تسلط الضوء على أهمية انتهاز اللحظة الدولية (التوقيت الدولي) المناسبة للتحرك لحسم الأزمات الكبرى ولإنجاز معالم استراتيجية تتعلق بتقرير مصير الأوطان والشعوب؛ وأبلغ ما في حكاية الحسيني عن ولادة الطائف هي الإشارة التي تتضمنها حول أن الدول والشعوب التي يفوتها قطار التوقيت الدولي، تبقى مكانها على قارعة طريق عدم الخروج من أزماتها ومن حروبها، الخ..

 

ثانياً- يوضح كلام الحسيني أن قرار خروج لبنان من الحرب الأهلية كان مرتبطاً بقرار حل القضية الفلسطينية؛ وأنه عندما تم الاتفاق الدولي على التحرك لحل القضية الفلسطينية، تم أخذ قرار وقف الحرب الأهلية اللبنانية وتنفيذه بسرعة البرق.. ومنذ ذاك الوقت أصبح وضع لبنان غير مرتبط عضوياً بالوضع الفلسطيني، بدليل أن اتفاق الجبارين حينها على الحل الفلسطيني انهار، ولكن الجزء الأول الذي نفذ من هذا الحل، والمتعلق بإخراج لبنان من الحرب الأهلية، صمد وظل سارياً ومعمولاً به دولياً وإقليمياً وداخلياً.. والسؤال الآن هو هل أعادت تداعيات حرب غزة ربط الوضع الراهن في لبنان بالحل في فلسطين؟؟.

 

.. حتى هذه اللحظة – وقد يتغير الأمر لاحقاً – تقول واشنطن أنه في سياساتها لا يوجد ربط بين إنهاء الحرب الصغيرة القائمة الآن على حدود لبنان مع فلسطين المحتلة، وبين الحرب الكبيرة الدائرة في غزة، وغير مرة جاء هوكشتاين وقال أنه يمكن ايجاد حل يؤدي لوقف النار في جنوب لبنان بمعزل عن وقف النار في غزة.. ولكن حزب الله يصر على أنه جاهز للاستماع لشروط التهدئة في الجنوب ولكن لن يناقشها قبل وقف حرب غزة؛ ولكن الحزب يقول أيضاً أنه لا يربط بين شرطه بتزامن وقف الحربين وبين استعداده للمبادرة الآن بانتخاب رئيس للجمهورية وباقي الاستحقاقات الداخلية..

 

.. الفكرة الأساسية هنا التي تراود الجميع في لبنان “ممانعين” و”سياديين” – إن صحت التسميات – هي وجود خشية من أن تكون تطورات ما بعد حرب غزة قد أعادت لبنان إلى مرحلة ما قبل اتفاق الطائف؛ أي إلى مرحلة ربط استعادة الاستقرار في كل لبنان – وليس فقط في الجنوب – بالتوافق الدولي على الحل والاستقرار في فلسطين؛ وحينها لن يكون سهلاً رؤية أي حل في لبنان قبل رؤية التوافق الدولي على “حل ما” على جبهة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.. وهذا يعني أن الوضع الجيوسياسي سينتج معادلة ربط الحل في لبنان بالحل الفلسطيني كما كان الحال منذ العام ١٩٧٥ حتى اتفاق الطائف؛ وضمن هذا الواقع سيكون متوقعاً رؤية إسرائيل وهي تعود لتقوم بنصب “حاجز سياسي” عند بلدة كوكبا تكون مهمته تعطيل تنفيذ أي حل دولي في لبنان إلا بشرط أن يسبقه حل دولي للوضع الفلسطيني.

 

ومن هنا يلاحظ حالياً وجود رأي خارجي وازن يراهن على أن خشية حزب الله من أن تؤدي تداعيات حرب غزة ومشاركته فيها إلى ربط وضع لبنان بوضع فلسطين كما كان الحال قبل الطائف، هي التي (أي هذه الخشية) ستجعله يوافق على انتخاب فخامة الرئيس الآن؛ وقبل وقف النار في غزة.. ويلاحظ أصحاب هذا الرأي أنه رغم أن حزب الله يربط وقف النار في الجنوب بوقف النار في غزة؛ ولأن هذا الربط يهدد بأن يخلق الشرط الموضوعي لإعادة ربط استقرار لبنان بحل القضية الفلسطينية؛ فإن حزب الله أخذ يتجه لفصل الاستحقاقات الداخلية اللبنانية عن حربي الجنوب اللبناني وغزة، حيث يعلن أنه لا يربط انخراطه بجهد انتخاب فخامة الرئيس بشرطه عن وقف النار في غزة وفي الجنوب. وتعتبر أوساط خارجية أنه يجب استغلال موقف الحزب هذا، من أجل إيجاد تعبيرات عملية له على أرض الواقع تؤدي إلى انتخاب رئيس الآن، وذلك تحت عنوان أن انتخابه في هذه اللحظة يضمن أن لا يجد لبنان نفسه بعد توقف النار في غزة وليس إطلاق النار في غزة، انه عاد للغرق في صمغ السياسة الدولية التي كانت سائدة قبل الطائف، ومفادها أن حل أزمة لبنان بكل تفاصيله، يحدث فقط عندما يكون الدوليون في طريقهم لحل القضية الفلسطينية؛ وعدا ذلك فإن القرار الدولي هو أنه على لبنان أن ينتظر قطار حل القضية الفلسطينية الكبرى في المنطقة.. 

وما تقدم يظهر أن انتخاب فخامة الرئيس الآن هو أمر مطلوب من ناحية لتصحيح انتظام عمل الدولة؛ وهو أمر ملح من ناحية ثانية لإظهار أن أزمات لبنان لها حلول راهنة، وليست مرتبطة بالحل الفلسطيني المتصف بأنه قد لا يأتي..

Exit mobile version