الهديل

خاص الهديل: تبخرت فكرة إجراء الانتخابات الرئاسية قبل وقف النار في غزة.. وحلت مكانها فكرة إجراء الانتخابات النيابية قبل الرئاسية!!..

خاص الهديل:

بقلم: ناصر شرارة 

لم يعد هناك مواعيد واضحة يمكن اعتمادها، أو بكلام أدق يمكن الرهان عليها، بخصوص متى يمكن إجراء الانتخابات الرئاسية.. وموعد “إجراء انتخاب فخامة الرئيس” بغضون نهاية شهر أيار القادم سقط في بئر رفض نتنياهو لكل مبادرات وقف إطلاق النار في غزة؛ وهو موعد كان ينتظره لبنان حتى تبدأ مع حلوله ثلاث خطوات متزامنة: تطبيق وقف نار في الجنوب؛ عودة هوكشتاين لترتيب المنطقة الحدودية اللبنانية الفلسطينية المحتلة؛ انتخاب رئيس للجمهورية يوقع على الاتفاق الحدودي مع هوكشتاين. 

والواقع أنه مع تعنت نتنياهو لجهة عدم موافقته على إبرام صفقة تبادل للأسرى تشتمل على وقف طويل للنار في غزة (من ٦ أسابيع إلى سنة)؛ فإن هذا يعني بالترجمة السياسية اللبنانية له التالي: لا وقف للنار في جنوب لبنان؛ ولا عودة مجدية وليس شكلية لهوكشتاين إلى لبنان؛ ولا انتخاب لفخامة الرئيس العتيد. 

صار واضحاً أن نظرية انتخاب فخامة الرئيس قبل وقف النار في غزة ومن ثم في جنوب لبنان، هو أمر صعب، لأنه لا تتوفر لها لا الغطاء الدولي القوي (واشنطن) ولا الغطاء الإقليمي الكافي (السعودية) ولا القدرة الداخلية المطلوبة (الثنائي الشيعي والموقف المسيحي الموحد).. فدولياً لا يوجد جهة متحمسة للحث على انتخاب فخامة الرئيس قبل وقف النار في غزة والجنوب، إلا باريس؛ ولكن الأخيرة لا تعبر عن كل الموقف الدولي، وخاصة عن الجزء الأهم فيه وهو الولايات المتحدة الأميركية..

.. وإقليمياً هناك استنكاف سعودي عن الانخراط في تسوية انتخاب فخامة الرئيس، طالما أن الأفق الإقليمي واللبناني لهذه التسوية لا يزال غامضاً؛ وطالما أن وضوح هذا الأفق لن يحدث قبل معرفة على ماذا ستنتهي حرب غزة..

.. وداخلياً لا توجد حيويات تشي بأنها قادرة، أو أنها تريد فعلياً وليس لفظياً، إنتاج فخامة رئيس قبل توقف حرب غزة ومن ثم توقف المواجهات في الجنوب.. فالقوات اللبنانية – ومعها محورها – تتموضع في خندق رفض انتخاب سليمان فرنجية؛ وهي تشعر في هذه المرحلة أن كل المطلوب منها ليس طرح مرشحاً بديلاً لفرنجية، بل الصمود في خندق رفض انتخابه؛ خاصة بعدما تبين لسمير جعجع أن السفيرة الأميركية في بيروت لا تحمل قراراً بدعم صمود القوى المواجهة لحزب الله بموضوع الانتخابات الرئاسية، بل تحمل قراراً بإظهار عدم مبالاة بلدها بمن سيكون رئيساً للبنان. 

.. أما التيار الوطني الحر فهو يفضل في هذه المرحلة “استنزاف الوقت الرئاسي”؛ ريثما يجد جبران باسيل معادلة داخلية جديدة تمنحه شروطاً أفضل من تلك التي تحيط به حالياً. ويحاول باسيل في هذه اللحظة التركيز على تنفيذ خطة تفيد بإستبدال علاقته بحزب الله بعلاقة مدروسة مع الرئيس نبيه بري.(!!). وكل ظن باسيل هو أنه إذا كان إصرار السيد نصر الله على مراعاة علاقته الاستراتيجية بالرئيس بري، هو الذي خرب ٨٠ بالمئة من علاقة الحزب بالتيار البرتقالي؛ فإنه من الأفضل لرئيس التيار أن ينسج علاقة مع بري، وهكذا تصبح علاقة باسيل مع الثنائي الشيعي من غير اعتراض بري عليها.. بمعنى آخر سيبني باسيل علاقة جديدة مع الثنائي الشيعي تبدأ من نقطة ضعفه فيها، وهي موقف الرئيس بري من باسيل!!.

أما الطرف السني، فهو أيضاً يمارس ربع حيوية بخصوص ملف انتخاب فخامة الرئيس؛ فالرئيس ميقاتي يعتبر أن المطلوب من المسيحيين أن يبذلوا جهداً مخلصاً أكبر يؤدي إلى تسريع انتخاب فخامة الرئيس، بدل أن يصبوا كل مجهودهم على منع حكومته من مواجهة تداعيات الشغور الرئاسي على مصالح المواطن والدولة. 

من جهتها المختارة، فهي مستغرقة حالياً في “لحظة تأمل سياسي” بأكثر مما هي في “لحظة فعل سياسي”.. فالمختارة التي يتم بداخلها حالياً عملية توريث “النجل تيمور وليد بك كمال بك جنبلاط” على حياة والده “وليد بك كمال بك جنبلاط”، تمعن النظر بعناية بما يجري في المنطقة وفي البلد من متغيرات مواكبة للتغيير الذي يجري بداخلها (توريث تيمور)، وذلك انطلاقاً من اعتقادها بأن لبنان بكل مكوناته، هو في هذه المرحلة بين يدي قابلة المجهول الدولي والإقليمي الذي على اللبنانيين التحسب منه.

والواقع أن تظافر كل هذه العوامل بعضها مع بعض يقود إلى ولادة فكرة جديدة بدأت تجد مقتنعين بها أكثر داخل لبنان وخارجه؛ ومفاد هذه الفكرة هي وقف العناية بانتخاب فخامة الرئيس، والتسليم بإجراء انتخابات نيابية جديدة أولاً، ثم بعد ذلك الذهاب لانتخاب فخامة الرئيس..

وما يدعو لهذه الفكرة هو عدة أسباب أبرزها: 

أولاً- المجلس النيابي الحالي بتركيبته الراهنة لا يستطيع انتخاب فخامة الرئيس العتيد؛ فهذا محلس يمثل مرحلة انتهت داخلياً وإقليمياً ودولياً. 

ثانياً- إنتاج حل من خلال المجلس النيابي الحالي أو أية تسوية رئاسية جديدة، سيحتاج للعامل السني المعتدل والوازن، وهو عامل غير متوفر في الواقع السياسي الحالي ولا في المجلس النيابي الراهن..

ثالثاً – أضف أن المطلوب تسوية رئاسية ومجلس نيابي جديدين، لهما صلة بالمستجد الانقلابي الإقليمي الذي حدث في ٧ أكتوبر العام الماضي.. 

بكلام آخر وأخير إن المطلوب إعادة إنتاج السلطة في لبنان ابتداءا من نقطة التمثيل الأوسع وهي مجلس النواب، وليس من نقطة التمثيل المحتاجة لتوافق غير موجود حالياً، وهي رئاسة الجمهورية الأولى..

Exit mobile version