الهديل

خاص الهديل: الحركة الطلابية الأميركية: تحرير السياسة الخارجية الأميركية من ازدواجية المعايير القيمية

خاص الهديل:

بقلم: ناصر شرارة 

قال الرئيس الأميركي السابق ترامب تعليقاً على الحركة الطلابية الأميركية أن رؤوسهم مغسولة.. 

.. طبعاً لا يوجد متابع عميق، كان يتوقع أن يصدر عن ترامب الشخصية المتصفة بأنها مسطحة ثقافياً، تعليقاً عميقاً على الحدث العميق الذي يحدث في الجامعات الأميركية.

والواقع أن مصطلح أن “رؤوس المحتجين الطلاب مغسولة”، أو أن تحركهم وراءه مؤامرة، هو مصطلح كان تم استخدامه بوجه تحركات الطلاب المشهورة عام ١٩٦٨. وهنا يجدر استحضار تعبير شهير يقول أن أخطر عدو على الثقافة هو الضحالة. 

واليوم تتم مواجهة الحركة الطلابية في الولايات المتحدة الأميركية وفي فرنسا ودول أخرى بسلاح “الضحالة” الذي يعني أن القيم العليا هي وجهة نظر، وأنه يمكن تجزئتها والنظر إليها بشكل استنسابي. 

إن أهم أمر يقوله الطلاب الأميركيون اليوم هو أن دافع الضرائب الأميركي من أبناء الجيل الشاب الجديد يريد قيادة أميركية، ويريد سياسة خارجية أميركية تشبه القيم التي تقول الولايات المتحدة الأميركية أنها تتبعها؛ ويريد أيضاً برامج أبحاث جامعية نظيفة إنسانية، وليست ممولة من مشاريع تقمع وتحتل وتزور التاريخ والقيم؛ ويريد مظلة من وحدة المعايير القيمية التي تتسع ليقف في ظلها كل بني البشر، الخ..   

وأهم أمر ثان يفعله الطلاب الأميركيون حالياً هو أنهم يعلنون عن خوفهم وخشيتهم من أن سياسات أميركا الخارجية التي تقمع الشعوب في الخارج، ستشجع صناع القرار الأميركي على أن يمارسوا نفس هذه السياسات القمعية ضد الشعب الأميركي داخل الولايات المتحدة الأميركية.

بهذا المعنى؛ وضمن هذه الجزئية، تقول الحركة الطلابية الأميركية أبلغ معنى في خطابها، وهو أن سمة ازدواجية المعايير بحق الشعب الفلسطيني الذي تمارسه الإدارة الأميركية، لم يعد فقط يشكل أزمة أخلاقية لصورة أميركا الخارجية، بل بات يشكل من منظور طلاب أميركا، خطراً على الديموقراطية داخل أميركا، وذلك من باب أن القمع ليس فقط “عصا غليظة” تستعمل ضد حرية شعب هنا ولصالح حرية شعب هناك؛ بل هو ثقافة لا تتجزأ؛ ومن هنا فإن القمع الأميركي في الخارج قد ينتقل لتتم ممارسته في الداخل في حال وجد صناع القرار الأميركيين أن مصالحهم تستوجب ذلك.. 

وتقع الفكرة هنا في أن معيار حرية التعبير عن الرأي وعن تقرير المصير، لم يتم بلورته كي يمارس في زمن واحد من دون باقي الأزمنة، أو في منطقة واحدة دون غيرها، أو لصالح شعب معين حصراً.. ان قيمة الحرية من القمع ومن الاحتلال (الخ..)، هي كل لا يتجزأ؛ وأية جهة تتبع سياسة تجزئتها، هي جهة ستصل في نهاية المطاف إلى إلغاء العمل بها، وإلى عدم احترامها عندما تصدم مصالحها (هذه الجهة) بقيم الحرية، بغض النظر عن ما إذا كان المستهدف بقمع حريته، هو طالب أميركي في جامعة كولومبيا أم طالب فلسطيني في جامعة غزة.

ما يحدث الآن في الجامعات الأميركية هو بداية طريق لتحرير السياسة الخارجية الأميركية من “مرض فيروسي قاتل” إسمه ازدواجية المعايير القيمية في التعاطي مع الأزمات العالمية؛ وأكثر ما تبرز عوارض هذا المرض الفيروسي في أداء سياسة أميركا على المستوى الخارجي، تجاه القضية الفلسطينية؛ وعلى المستوى الداخلي في أميركا تجاه استغلال إسرائيل غير المنطقي لمصطلح معاداة السامية.  

ما يطلبه الطلاب الأميركيون والقوى الاجتماعية الشابة في أميركا هو تنظيف روح أميركا من تشوهات صدأ ازدواجية المعايير القيمية في سياساتها الخارجية، لأن استمرارها سيؤدي إلى انفصام أميركا عن قيمها المعلنة؛ والأخطر من ذلك إلى بناء أساس يبرر ثقافياً ممارسة هذه الازدواجية في الداخل الأميركي.. وما يدعو للإستغراب، رغم أنه أمر مفهوم، هو أن ترامب يسمي أصحاب مطلب تحرير روح أميركا من مرض ازدواجية المعايير القيمية، بالقوى المغسولة رؤوسها!!.

Exit mobile version