الهديل

“الحي القديم”.. ايام لا تنسى!

“الحي القديم”!

إنّها أيّام لا تُنسى، محفورة في أعماق وجداني، يدفعني الحنين دومًا لكي أتذكّرها وأعيش معها لحظات ولا أجمل.
في حيّنا القديم حيث ولدت وترعرعت وعشت أجمل أيّام حياتي.
في حيّنا القديم حيث الوداعة والسّماحة والجيرة الطيّبة.
في حيّنا القديم حيث نجد لبنان بكلّ طوائفه وأطيافه، ونعيش فيه متحابّين متآلفين، لا نزعة عرق، ولا نزعة دين.
في حيّنا القديم كنّا نعيش الأعياد كلّها، ونصوم جميعنا رمضان، ونصوم كلّنا وفقًا للتقويم الغربيّ عند الطوائف الكاثوليكيّة، وكذلك وفقًا للتقويم الشرقيّ عند الطوائف الأرثوذكسيّة،وذلك من خلال احترام خصوصية الآخر، فلا احد يفطر أمام الصّائم حفاظا على آداب الصّيام، ولم نكن نعلم أنّ هناك فرقًا بيننا. وجميعنا نحيا في محبّة الله سبحانه وتعالى.
في حيّنا القديم كنّا نعيش وكأنّنا في بيت واحد:
بيت الستّ أمّ جورج (الأرثوذكسيّ) حيث رفاق الدّرب: جورج وإبراهيم وكميل وميشال وسيمون وماري.
بيت الستّ أمّ طوني (المارونيّ) حيث كنّا نلعب في حديقة المنزل المزروعة بأجمل الورود والأزهار مع: طوني وإيناس وجوزيف.
بيت السيّدة أمّ لطفي (الشّيعيّ) الذي كانت فيه أكبر وأجمل شجرة ميلاد ومغارة، وحيث كنّا ننام في الشّتاء ليلًا فنبرد وتقوم السيّدة الفاضلة أمّ لطفي بتغطيتنا. وكنّا ننعم بدفء المحبّة والسّلام والطمأنينة مع رفاقنا يوسف وإبراهيم ومريم وإخوتهم الكبار، وكانت أناقة العمّ أبو لطفي عنوانًا للجمال المميّز.
بيت السيّد أبو عاطف وهبي (طائفة الموحّدين الدروز) حيث كان كرم الستّ أمّ عاطف وبشاشة الأصدقاء عاطف وعصمت ورفيق دربي زاهي عنوانًا للأصالة والوفاء والإخلاص.
بيت السيّد أغوب (الأرمن) أبو زوزو،
حيث الستّ أمّ زوزو، وسوسي، ومارغو، والعزيز جوزيف، أصحاب العشرة الطيّبة وانعكاسها على الجيران. ولقد تعلّمت بعض الكلمات الأرمنيّة حبًّا في المعرفة واللغات.
ونأتي في ختام المسك على منزل أستاذنا الكبير والشّاعر المميّز مالك طوق والستّ الحنونة أمّ أنطوان، وخيرة الشّباب والصّبايا:
الشّاعر أنطوان
العزيز هاني
الغالية دنيا
الطيّبة دونيز
النّبيل عماد
فكنّا نعيش حالة الشّعر بأجمل وأرقّ كلماته، وكنّا نأكل عندهم أطيب تفّاح في العالم.
في حيّنا القديم عشنا أجمل اللحظات البريئة من خزعبلات السّياسة الكريهة التي تنبعث منها روائح الفساد والاستبداد وإهدار الحقوق.
في حيّنا القديم، الصّنائع، شارع ماري عدّة، “زاروبة” الحاج ديب الحلو، كانت البسمة على الوجوه لا تغيب، وكانت الفرحة تغمرنا بأحلى الأمسيات، وكان الحنين يأخدنا إلى عالم الرّضا والرّاحة وهناء البال.
رحم الله من رحل، وأمدّ في عمر من بقي، وعسى أن يأتي يوم ونلتقي في مكان آخر نستذكر فيه حيّنا القديم.

القاضي م جمال الحلو
Exit mobile version