خاص الهديل:
بقلم: ناصر شرارة
اعتاد وزير الدفاع الإسرائيلي غالانت أن يزور الجبهة الشمالية مع لبنان في توقيتات منتقاة ويختارها كابينت الحرب الإسرائيلي بعناية؛ ويقوم غالانت من هناك بتوجيه رسائل عسكرية وسياسية الى لبنان.
أمس زار غالانت الشمال الفلسطيني المحتل ومن موقع قيادة قوات الاحتياط ٩١ المسؤولة عن الجبهة مع لبنان الممتدة من الناقورة إلى جبل الشيخ؛ أطلق ثلاث رسائل خاصة بما يمكن أن تصل إليه المواجهات الراهنة مع حزب الله:
الرسالة الأولى تم تكثيف معناها بالعبارة التالية “المهمة لم تكتمل بعد”.
وواضح أن هذه العبارة تم انتقاؤها من قبل غالانت كونها تحمل رداً من قبل إسرائيل على فشل باريس في مهمتها الأخيرة تهدئة الوضع على الحدود اللبنانية الإسرائيلية. وعليه فإن زيارة غالانت تأتي على خلفية فشل المبادرة الفرنسية التي حملت مقترحاً لوقف المواجهات على الجبهة الشمالية (حسب التسمية الإسرائيلية)؛ وهي تريد بدرجة أولى لفت نظر واشنطن ولندن وباريس إلى أن تل أبيب باتت تعتبر بعد فشل الجهد الدبلوماسي الفرنسي بأن الوضع على الحدود الشمالية انتقل من مرحلة ستاتيكو المواجهات إلى مرحلة اقتراب إسرائيل من لحظة بِدأ عملية عسكرية تحاكي العملية التي قامت بها في غزة.
وهذا الجزء من رسالة غالانت المؤلفة من ثلاثة أجزاء والذي أطلقها أمس؛ له علاقة بالحوار الدائر بين إسرائيل وحلفائها الغربيين منذ يوم ٨ أكتوبر الذي بدأ فيه حزب الله معركة إسناد غزة.
ومفاد قصة هذا الحوار هو أنه يوم ١١ أكتوبر ٢٠٢٣؛ ولم يكن حينها مضى على حرب غزة سوى عدة أيام فقط؛ اجتمع المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي المصغر وعلى طاولة عمله مناقشة قرار بدء حرب شاملة على لبنان فوراً.
.. وكانت مبررات شن هذه الحرب هي التالية: ١- نزع المبادرة من وحدة الرضوان التي قد تقوم بهجوم على مستوطنات الشمال كما فعلت حماس حينما هاجمت يوم ٧ أكتوبر مستوطنات غلاف غزة؛ ٢- توجيه ضربة جوية استراتيجية ضد صواريخ حزب الله لإفشال خطته التي تريد توجيه ٣٠٠ ألف صاروخ ضد إسرائيل؛ ٣- تغيير الواقع الأمني والسياسي على حدود لبنان مع إسرائيل وذلك على نحو يخدم عودة مستوطني الشمال.
وحينها تم تجميد تنفيذ خطة الحرب هذه لعدة أسباب؛ أبرزها عدم موافقة واشنطن التي لا تريد توسيع حرب غزة؛ وأيضاً لأنه يجب على تل أبيب تحاشي توريط نفسها بشن حربين بنفس الوقت؛ الخ..
.. غير أن السبب الأساسي الآخر الذي أقنع إسرائيل بتجميد خطة الحرب ضد لبنان تمثل بتعهد واشنطن ودول الغرب بأن تبذل جهداً دبلوماسياً دولياً لإقناع بيروت وحزب الله بوقف المواجهات؛ ما سيسمح بإعادة الوضع على ضفتي الحدود إلى ما كان عليه قبل ٨ أكتوبر.. ولقد وافقت إسرائيل حينها بإعطاء الحل الدبلوماسي فرصة غير مفتوحة زمنياً؛ حيث اشترطت بأنها تحتفظ لنفسها “بحق” التحرك عسكرياً في حال لم ينجح الجهد الدبلوماسي الدولي.
.. وأمس حمل غالانت من كابينت الحرب الإسرائيلي رسالة للدول الغربية تقصّد أن يوجهها من مقر قيادة قوات الاحتياط ٩١ المسؤول عن كل الجبهة الشمالية مع لبنان؛ ومفاد هذه الرسالة لفت نظر الدول الغربية إلى أن جهدها لإيجاد حل دبلوماسي بين إسرائيل ولبنان فشل تماماً؛ بدليل فشل الجهد الفرنسي الأخير الذي كان الإعلام العبري يحرص على وصفه “بفرصة الحل الدبلوماسي الأخيرة”؛ وعليه فإن تل أبيب منذ هذه اللحظة صارت بحل من وعدها بانتظار الحل الدبلوماسي؛ وهي ستتجه نحو بِدء العد العكسي لتنفيذ المهمة بنفسها وبواسطة الحل العسكري؛ بحيث تشن حرباً تؤدي إلى إعادة الوضع على الحدود مع لبنان إلى ما قبل يوم ٨ أكتوبر..
أما الجزء الثاني من رسالته الثلاثية الأجزاء التي أطلقها غالانت من مقر قياة ٩١ في الشمال؛ فهي تمثلت بتحديد الصيف القادم كموعد لبدء حرب إسرائيل ضد لبنان لتنفيذ مهمتها على الجبهة الشمالية..
وهذا التوقيت الذي لمّح إليه غالانت يحمل معنى كان توقف عنده مراقبون كُثر في الآونة الأخيرة؛ ومضمونه أن توقيت الحرب الإسرائيلية على لبنان أصبح مرتبطاً بموعد إنهاء تل أبيب لمهمة السيطرة على مدينة رفح؛ حيث بعد ذلك سيرفع نتنياهو شعار: لا يمكن تحقيق النصر المطلق طالما أن حزب الله لا يزال يمسك بقرار الحرب على حدود إسرائيل في الشمال..
ومنذ الآن يمكن توقع السجال الذي سيدور بين نتنياهو وإدارة بايدن حول هل توافق الأخيرة على فتح حرب مع لبنان أم أنها غير موافقة.. وهنا سوف يدور ذات السجال الذي يدور اليوم بين الطرفين بخصوص معركة رفح والذي بينت خلاصته أنه لا يمكن الاعتماد على واشنطن؛ أو أنه حتى لا يمكن تصديق الوعود الأميركية بأنها ستمنع إسرائيل من تنفيذ المهام التي تريد تنفيذها في حرب السيوف المسنونة؛ سواء كان ذلك يتعلق برفح حالياً أو بلبنان غداً..
الجزء الثالث من رسالة غالانت يوحي بوضوح بأن تهديد تل أبيب هذه المرة للبنان محض عسكري؛ وليس وراءه مناورة سياسية أو تهويل سياسي؛ وهناك أسباب كثيرة تظهر ذلك؛ أبرزها أن تهديد غالانت للبنان أمس “بصيف حار” يأتي ضمن أجواء يظهر فيها نتنياهو من خلال هجومه على رفح؛ أنه قادر على تخطي المنع الأميركي له؛ وأنه قادر على الاستمرار في الحرب وفق رؤيته التي تحدث فيها عن أن إسرائيل ذاهبة لتغيير الشرق الأوسط؛ ولرسم بيئة أمن مستديمة للكيان العبري.
والواقع أن أخطر ما يمكن أن يواجهه لبنان خلال هذا الصيف هو “جنرال التوقيت” الذي لن يكون في صالحه؛ ذلك أن إسرائيل ستتصرف حينها ضمن هامش كبير من الحرية والسطوة على مناخ القرار الأميركي الذي سيكون في ذروة اللحظة الانتخابية الرئاسية؛ حيث نفوذ اللوبي اليهودي الصهيوني سيكون في عز قوته..