الهديل

خاص الهديل: معركة رفح تأخذ حرب غزة إلى صراع التنافس على خطوط الموانىء والتجارة في المنطقة؟؟

خاص الهديل:

بقلم: ناصر شرارة

تفتح معركة رفح ميدان حرب غزة على أبعاد إقليمية غاية في الخطورة؛ فالوضع تجاوز معادلة إلى أين يريد نتنياهو أن يصل(؟؟)، بل أصبح إلى أين يمكن للصراع الإقليمي أن يصل؟؟.

وحرب غزة كما تبدو في هذه اللحظة من ثقب مشهد رفح وتعقيداته الإقليمية؛ تؤشر إلى أن الحرب على موارد الإقليم وعلى أدوار دوله قد بدأت.. وعلى نحو بدأ يتمظهر شيئاً فشيئاً أكثر، ستتجه الحرب التي تتحول إلى إقليمية، من نقطة أن ما يحدث في رفح ليس فقط حصاراً لغزة، بل هو فتح هذا القطاع على أفق البحر الأبيض المتوسط ومشاريع الصراع على موانئه وخطوطه التجارية البحرية، بمثلما عزله (أي قطاع غزة) عن أفقه المصري والعربي والفلسطيني.

.. والواقع أن إنهاء إنشاء ميناء غزة من قبل الأميركيين، في نفس يوم إقفال إسرائيل لمعبر رفح ورفع العلم الإسرائيلي عليه؛ لا يمكن النظر إليه على أنه مجرد صدفة، وأنه تزامن ليس له دلالات.. وبإختصار فإنه مع مشهد رفح، صار يمكن رؤية حرب غزة ضمن أهدافها الكبرى التي بينها وربما على رأسها صياغة أدوار جديدة لموانىء المنطقة ضمن الصراع الدولي على الخطوط التجارية البحرية والبرية.

منذ اندلاع حرب غزة عاد الكلام عن قناة بن غوريون المقترحة من قبل إسرائيل لربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض (من خليج العقبة إلى حيفا)؛ وقالت هذه الفكرة حينها أن إسرائيل لن تستمر بالسير على الطريق البعيدة والوعرة؛ ذلك أنه من خلال احتلال غزة يصبح بالإمكان الوصول من العقبة إلى غزة على البحر المتوسط وهذا الممر سيسهل المسافة ويقلل الكلفة على إسرائيل.

ولكن حينها ظهرت عقبات جيوجولوجية أمام تنفيذ هذا المشروع الذي كانت من غاياته أيضاً منافسة قناة السويس. بعد السِلم بين مصر وإسرائيل طُوي أمر الحديث الإسرائيلي عن مشروع قناة السويس ولكن بعد حرب غزة عاد ليطفو على سطح الأحداث خاصة بعدما أفصح نتنياهو خلال بدايات الحرب بأن يخطط لشن حرب تؤدي إلى تغيير الشرق الأوسط.

والسؤال اليوم هو لماذا يطيل نتنياهو حرب غزة، ولماذا يتقصد أن يفتح نوافذ جديدة لتُسَرِب نيرانها إلى الإقليم (؟؟) بدليل قصفه للقنصلية الإيرانية ومن ثم اليوم اقتحامه رفح رغم التحذيرات المصرية والتحفظ الأميركي (؟؟).. وبكلام محدد هل فعلاً نتنياهو ذهب تحت ستار البحث عن الانتصار المطلق على حماس إلى تحقيق هدف تغيير المنطقة؛ أي إلى تحقيق استراتيجية تقوم على العناصر التالية:

العنصر الأول هو الإفادة من الوجود العسكري لحلفائه الغربيين في المنطقة بعد ٧ أكتوبر، من أجل خوض حروب بإسم غزة وبإسم ضرب حماس التي ارتكبت “محرقة القرن الواحد والعشرين ضد اليهود”، هدفها تأكيد مكانة اقتصادية وجيو سياسية وازنة لإسرائيل في قلب مشاريع الصراع على كعكة التجارة العالمية في المنطقة.

العنصر الثاني وهو استدراكٌ للعنصر الأول ومفاده أن المنطقة تشهد سباقاً بين مشاريع شق طرق تجارية برية ومائية متنافسة؛ بدءا بمشروع توسعة محور قناة السويس؛ مروراً بمشروع ميناء الفاو العراقي الكبير وبمقابله مشروع طهران لربط الهند بإيران بروسيا بأوروبا، الخ..

العنصر الثالث والمكمل للعنصرين السابقين يتصل بالسباق المحموم بين دول المنطقة للتموضع اقتصادياً على نحو يخدم مصالحها في ظل احتدام الصراع بين مشروع الصين (الحزام والطريق) وبين مشروع أميركا (الممر الهندي). وكل هذا السباق الدولي الصيني والأميركي يتجه ليأخذ شكله النهائي مع حلول العام ٢٠٥٠ حيث سيصبح طريق القطب الشمالي (المحيط المتجمد الشمالي) بفعل حركة ذوبان الثلوج، هو الممر الملاحي التجاري الأهم في العالم والذي له القدرة على منافسة كل ممرات الملاحة التجارية بما فيها مضيق ملقا (سنغافورة) الذي تعتمد عليه الصين.

العنصر الرابع يتلخص بسؤال ماذا تريد إسرائيل بمواجهة كل هذه المتغيرات الناشطة في المنطقة على مستوى السباق بين خطوط التجارة الدولية؟

تريد إسرائيل فرض غلبة عسكرية بمساعدة الغرب على الإقليم، تمكنها من صياغة مكانة تجارية وموقع تجاري مميزان لها في المنطقة، وذلك من خلال تحقيق عدة مهام؛ من بينها استكمال إنجاز خط سكة الحديد الذي يربط ايلات بعسقلان وبحيفا؛ وهذا المشروع كلفته خمس مليارات دولار حصلت عليها إسرائيل سنة ٢٠١٤ من ميزانية الحزام والطريق الصيني.

.. وهذا الخط طوله ١٠ كلم داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة يبدأ من ايلات الذي تم توسيعه ليصبح قادراً على نقل بضائع بواسطة سكة حديد سريعة طولها ٣٠٠ كلم تصل إلى البحر الأبيض. ويخدم هذا الخط إسرائيل في عدة أمور استراتيجية أبرزها أن ٦٣ بالمئة من تجارة إسرائيل هي مع دول آسيا؛ وعليه فهي تضطر للاعتماد على قناة السويس، ولكن هذا الخط سيجعل إسرائيل تستغني عن قناة السويس مما يوفر عليها دفع رسوم مالية كبيرة له.

المشروع الأساس الثاني الذي تتطلع إليه تل أبيب هو مشروع بايدن حول الاندماج الاقتصادي في المنطقة الذي يجعل من إسرائيل محطة مهمة داخل شبكة الطرق التجارية بين أوروبا والخليج والهند؛ ولكن مشكلة تل أبيب مع هذا المشروع هو أنها لا تريد أن تدفع الثمن السياسي المتوجب عليها بشأنه؛ وهو موافقتها على حل الدولتين. ومن وجهة نظر نتنياهو فإن حرب غزة يجب أن تنتهي على نتيجة واحدة وهي نصر إسرائيل على فكرة إقامة دولة فلسطينية وليس فقط على حماس..

Exit mobile version