الهديل

خاص الهديل: البحث عن حل للهِبات الدولية للنازحين داخل مغارة دولة علي بابا اللبنانية!!

خاص الهديل:

بقلم: ناصر شرارة

يمكن اختصار ما هو مطلوب بخصوص ملف النازحين السوريين بجملتين إثنتين تُغني عن كل هذا السجال الطويل الذي تنشغل كل القوى السياسية بالانخراط فيه لأسباب تتصل بإبراز أدوار وطنية لها، بعد أن ظهر بالتجربة الملموسة الممتدة منذ 17 تشرين الأول ٢٠١٩ حتى الآن، أنها أحزاب مفلسة وطنياً..

الجملة الأولى هي “أن الهبات والأموال الدولية يجب أن لا يكون هدفها الصرف على تعزيز أوضاع بقاء النازحين السوريين في لبنان”.

والجملة الثانية هي “أن الهبات والأموال الدولية يجب أن تصرف حصراً على عودة النازحين السوريين إلى بلدهم”.  

.. ولكن النقاش الدائر حالياً، لا يتم على أساس هذين المعيارين؛ بل يتم على أساس أن المليار دولار وما سيأتي بعده من مليارات كهِبات مالية دولية أخرى؛ يجب النظر إليها على أنها هي حق مكتسب للبنان بوصفه بلداً مضيفاً؛ وبالتالي يجب على لبنان أخذ هذه الهبات حتى لو كانوا تحت بند أنه يجب صرفها على النزوح السوري في لبنان؛ وليس على أساس أنه يجب صرفها على عودة النازحين السوريين إلى بلدهم..

وما يلفت النظر هنا هو هذا الحراك النشط الجاري بين أحزاب الطوائف وزعمائها لإنتاج موقف مشترك بينهم حتى يصبح بإمكانهم، ليس كما يقولون حل ملف النازحين السوريين، بل في الواقع – والأيام ستثبت ذلك – كيف يمكنهم تقاسم أموال الهبات الدولية وإنشاء “مزاريب” لها حتى يمكن إفادة جيوب الفساد منها. 

وطريقة تعاطي لبنان الرسمي والحزبي مع ملف النازحين السوريين، تُبرز عدة مشاكل أهمها أن المجتمع الدولي حينما يدفع من جهة أموالاً للبنان تحت عنوان صرفها على النزوح السوري فيه، وحينما يقبل لبنان من جهة ثانية، هذه الأموال مع المهمة المقدمة من أجلها؛ فهذا يعني أن الدولة في لبنان موافقة على بقاء النازحين السوريين في لبنان كما هو حاله اليوم.. وأمام هذه المعادلة يصبح مفهوماً أن يدير المجتمع الدولي ظهره للكلام اللبناني بخصوص النزوح السوري وذلك تحت مبرر أن هذا الملف تم دفع ثمنه للبنان الذي قبِل الثمن.

ببساطة وبجملة نهائية إن المجتمع الدولي ومحافله المعنية يستطيعون القول أن لبنان يقبض ثمن استضافته للنازحين السوريين، وبالتالي لا يحق له الشكوى وإبداء التظلم.

هناك مشكلة أخرى يحب على مجلس النواب أن يعالجها وهو يبحث عن موقف وطني بخصوص قضية النازحين، وهي مشكلة الفساد الموجود داخل الدولة اللبنانية؛ وهو فساد موصوف، وسبق له أن سرق أموال المودعين في المصارف اللبنانية وسرق التمويل الدولي والإقليمي المخصص لمشاريع البنى التحتية، الخ.. وحالياً من يضمن أن لا يسرق القيّمون على مغارة دولة علي بابا اللبنانية الأموال الاوروبية أو غيرها المخصصة للنازحين السوريين؟؟.. وأكثر من ذلك، من يضمن أن لا تذهب هذه الأموال بموجب قانون المحاصصة السائد داخل الدولة، إلى جيوب الذين سرقوا أموال الكهرباء والمودعين، الخ..

ثمة مشكلة أخرى لا يتم الحديث عنها أيضاً وهي هل يستطيع لبنان حتى لو اتفق وطنياً على استراتيجية مقاربة لملف النازحين السوريين؛ أن ينفذ هذه الاستراتيجية: مثلاً لو قرر تسفيرهم بالبحر أو التهديد بذلك كما فعلت تركيا؛ هل لبنان في موقع ومكانة تؤهله لفعل ذلك؟؟ هل يملك لبنان نفس مقومات تركيا ونفس قدراتها على خوض اشتباك استراتيجي مع أوروبا؟؟. وهذا النوع من الأسئلة يحتاج “لعقل بارد”، لأن الانفعالية في مقاربة مثل هذه القضايا، تؤدي لأمر واحد، وهو أنه تلد من رحم المشكلة الأولى التي كان القصد حلها مشكلة جديدة أصعب وأكثر تدميراً.  

.. أبعد من ذلك، وانطلاقاً من زاوية أخرى؛ فعلى فرض قرر لبنان حل مشكلة النازحين السوريين بشكل ثنائي مع دمشق؛ فهل يمكن للبنان فعل ذلك، خاصة فيما لو أن البيت الأبيض الذي يريد بقاء النازحين السوريين حالياً في لبنان، رفع بوجه بيروت البطاقة الحمراء؟!.. ثم أخيراً وليس آخراً – عدا موضوع اعتبارات الفساد والإفادة الخاصة من الهبة الأوروبية – هل كل اللبنانيين متفقين على رأي وطني واحد، وليس على رأي سياسي واحد بخصوص ملف النازحين.. الإجابة السريعة هي لا.  

وفي غمرة التخبط والخفة في معالجة موضوع استراتيجي كموضوع النزوح السوري؛ فإنه يتوجب التنبه إلى تجربة الدولة اللبنانية مع الوجود الفلسطيني في لبنان؛ فخلال ستينات القرن الماضي قرر لبنان التعاطي مع اللجوء الفلسطيني في لبنان باستخدام “استراتيجية المخفر”؛ وكانت النتيجة “انتفاضة المخيم” و”إقفال المخفر”.. والآن يجب التنبه لمسألة هامة وهي أية استراتيجية يجب أن تستخدم الدولة تجاه النازح السوري. بالطبع يجب الإبتعاد عن استراتيجية المخفر ويجب الإبتعاد عن خطاب العنصرية؛ لأنه إذا كان النزوح السوري الفوضوي يشكل خطراً وجودياً على لبنان، فإن العنصرية تشكل خطراً وجودياً على روح لبنان..

Exit mobile version