الهديل

خاص الهديل: هل يكون ميشال عون آخر رئيس مسيحي في لبنان!!

خاص الهديل:

بقلم: ناصر شرارة

لا أحد في لبنان يخطر في باله أن يُحمّل اللجنة الخماسية ما لا يمكنها حمله. صحيح أن هذه اللجنة مُشكّلة من دول تستطيع صنع المعجزات السياسية نظراً لثقل إمكاناتها؛ ولكن الصحيح أيضاً أن هذه الدول لديها اعتبارات وأولويات منغمسة في التصدي لها تنوء تحتها الجبال. كل الفكرة التي لا يريد العالم قولها بوضوح والتي لا يريد لبنانيون فهمها بوضوح، هي أولاً: أن لبنان ليس أولوية إقليمية ولا دولية الآن؛ وهي ثانياً: أن انتخاب فخامة الرئيس ليس أولوية الآن؛ وهي ثالثاً: أن انتخاب فخامة الرئيس المسيحي الوحيد في الشرق الأوسط لم يعد حاجة الآن “وربما غداً”!!، الخ.. 

هذه ثلاث رسائل دولية بات يجب – أضعف الإيمان – على مجلس النواب اللبناني أن يجتمع كي يناقش معناها السياسي!!.

.. طبعاً البرلمان اللبناني لن يفعل ذلك؛ وحتى لو فعل؛ فهو لن يكون بمستوى أن ينظر بمسؤولية إلى هذا التطور الدولي الذي يعكس من ناحية تراجع أهمية لبنان دولياً؛ ويعكس من ناحية ثانية تراجع اهتمام النظام الدولي بتجربة نظامه السياسي (نظام الطائف)؛ ويعكس من ناحية ثالثة تراجع الإهتمام الدولي بمعنى وجود الرئيس المسيحي الوحيد في الشرق الأوسط.

بيان اللجنة الخماسية الذي صدر أمس؛ وكانت جرت عملية تمهيد إعلامي سبقت إعلانه؛ لم يكن مفاجئاً من حيث أنه سيكرر قول ما قاله غير مرة بخصوص أن اللجنة لا تملك القدرة على انتخاب فخامة الرئيس، بل تملك قدرة القول لماذا على اللبنانيين أن ينتخبوا فخامة الرئيس؛ وأبرز الأسباب التي تدعوهم لانتخابه الآن هو أن يكونوا جاهزين لمواكبة المتغيرات في حال حصلت في المنطقة. 

.. ولكن داخل لبنان يسود منطقان إثنان بوجه “نصيحة اللجنة الخماسية للبنانيين” الأولى تقول سنكون جاهزين للحديث مع المتغيرات وليس مع اللجنة الخماسية بعد أن تتضح معالمها فور صمت مدافع حرب غزة..

.. والمنطق الثاني يقول نحن لا نريد لجنة عربية دولية تقول لنا ما يجب فعله، بل نريد لجنة عربية دولية تقوم بدلاً منا بالعمل الذي لا نستطيع نحن فعله.  

إذن هناك لبنانان: الأول لا ينتظر أساساً لا النصائح ولا الأفعال من اللجنة الخماسية والثاني ينتظر من اللجنة أن تنتخب عنه وأن يكون لديها مقررات بأنياب وليس بثوب الناصح.. 

وبانتظار حروب الإسناد والانتظار في غزة؛ يبدو لبنان بمواجهة سباق ماراتوني مع استحقاق انتخاب فخامة الرئيس وليس مع استحقاق سباق الخمسين متراً كما يتصور البعض أو يريد أن يسرب البعض ممن اعتبروا أن الخماسية تضع نصب عينيها هدف شهر أيار كمحطة محتملة لإنهاء الشغور الرئاسي..

وبمقابل هذا الواقع حول عدم وضوح هدف يمكن إنجازه من قبل اللجنة الخماسية؛ وحول عدم وجود حوار أو تشاور يمكن حصولهما، أو حتى يمكن الركون إليهما في حال حصولهما لجهة أنهما سيفيان بغرض انتخاب الرئيس الأول؛ فإن السؤال الذي صار مطلوباً طرحه بصوت مسموع هو: هل ميشال عون هو آخر رئيس ماروني؟.

.. مرد هذا السؤال يمكن البحث عنه من خلال الأسئلة التالية: 

هل الخماسية بما تشكل وما تتضمن لم يعد انتخاب فخامة الرئيس المسيحي الوحيد في الشرق الأوسط بغض النظر عن إسمه؛ يشكل من منظارها هدفاً بحد ذاته يستحق فرضه وممارسة قوتها ونفوذها من أجل ذلك؟؟!.

هل نظام الطائف جعل العالم ينظر إلى فكرة فخامة الرئيس المسيحي الوحيد في الشرق الأوسط بمثابة فلكلور من الماضي ولم يعد له اليوم نفس هذا المعنى الهام الذي كان له بالماضي. 

هل الخماسية لا تخشى بالعمق على المعنى المسيحي داخل مجمل الصورة اللبنانية، وهي بالتالي تتصرف وتتحرك وهي تسند ظهرها للطائف الذي يقول بمجلس الوزراء مجتمعاً سواء كان في حالة حكومة بالأصالة أو حكومة تصريف أعمال.

هل كل هَمّ واشنطن بموضوع انتخاب فخامة الرئيس تنحصر بضرورة أن يكون موجوداً ليوقع اتفاقاً ما في الجنوب مع إسرائيل في حال تم التوصل إليه.. بمعنى آخر مطلوب فخامة رئيس لمهمة واحدة.. واذا كان الأمر كذلك من وجهة نظر واشنطن؛ فإن حل هذه المشكلة أيضاً من وجهة نظر واشنطن سيكون سهلاً. وهو تعديل كلمتين أو ثلاثة كلمات لمرة واحدة – وتصبح دائمة – في الدستور بحيث يصبح بإمكان مجلس الوزراء مجتمعاً التوقيع على المعاهدات مع الدول الأخرى.

مع مرور الوقت على الشغور الرئاسي، سوف يعتاد العالم ليس أن لبنان يمكنه أن يعيش بثلث نظامه، وذلك بانتظار إعادة ثلثه الغائب (أي فخامة الرئيس)؛ بل سيعتاد العالم على أن بلد الأرز يعيش بنظام جديد مؤلف من تقاسم السلطة بين ثلثيه!!. 

يجب تنبه الجميع المسلمون قبل المسيحيين، والمسيحيون قبل المسلمين إلى أن العالم يتغير، وأن دول وازنة في المنطقة تخلع عن قناعة من قبلها، عباءاتها الايديولوجية وحتى الدينية لمصلحة أن تصبح دولاً بلا هويات دينية حادة؛ وعليه فإن هذه الدول التي تدير ظهرها هي ذاتها للمعنى الديني الطاغي عندها لن تتحمس لمراعاة معاني دينية خارجها.. وكل هذه التطورات وغيرها توجب لحظة وعي في لبنان فيما لو كان لا يزال مطلوباً التعايش ضمن فكرة الميثاقية المسيحية الإسلامية..

.. وضمن هذه الجزئية يجب قول “أخطر عبارة” وهي أن فكرة الميثاقية بمعناها التقليدي الخاص باستمرار عناق المحاصصة في النظام بين الهويات الدينية؛ لم يعد لديها مدافعين متحمسين عنها لا في الإقليم ولا في العالم؛ وفي حال لم يدافع اللبنانيون أنفسهم عنها من خلال وحدتهم وراءها؛ فهي ستنتهي على طريقة ذوبان فص الملح!!.

Exit mobile version