الهديل

خاص الهديل: لودريان يبحث عن فخامة الرئيس العتيد “النازح الأكبر” من قصر بعبدا!!

خاص الهديل:

بقلم: ناصر شرارة

وصل لودريان إلى بيروت في أحدث زيارة له لبيروت للبحث عن فخامة الرئيس العتيد الذي انقطعت أخباره، والذي للمصادفة يتزامن غيابه مع ظروف أزمة لبنان مع النزوح السوري؛ وكل ذلك جعل فخامة الرئيس المفقود يُعَلَق به لقب ثان، وهو لقب “النازح الأكبر من قصر بعبدا”.

والواقع أن “فخامة الرئيس العتيد” المتصف بأنه الرئيس المسيحي الوحيد في الشرق الأوسط؛ الذي طال غيابه عن قصر بعبدا، والذي لم يعد له مشروع صورة لملامحه في المخيلة السياسية الداخلية أو الإقليمية أو حتى الدولية؛ – فخامة الرئيس هذا، بات لشغور موقعه معنى أكثر من سياسي عادي؛ وبات يرمز ويؤشر إلى النزوح الديموغرافي السياسي للمسيحيين من لبنان بعد أن سبق ذلك نزوحاً ديموغرافياً سكانياً لهم من سورية والعراق وبالتزامن من مصر وحالياً من فلسطين.

في الفاتيكان يتم النظر إلى مسيحي لبنان على أنهم الركن الذي يستند إليه مجمل الوجود المسيحي في المشرق العربي وفي المنطقة؛ وحينما يواجه هذا الركن المسيحي اللبناني “مشكلة نزوح سياسي” يتمثل بترك فخامة المسيحي الأول القصر الرئاسي المسيحي الوحيد في المنطقة (قصر بعبدا)، فان ذلك يعني تطوراً بنوياً، وليس مجرد حدثاً سياسياً تقنياً؛ خاصة وأن هذا الشغور لا يبدو أن له أفق يحدد وقت نهايته، وأنه يستمر من دون لحظ تصاعد للقلق بخصوصه، بل بدل ذلك يتم لحظ اعتياد داخلي وخارجي على استمراره؛ وكل هذا يجب أن يؤشر للمسيحيين بوجود تطور أكبر من سياسي وليس أقل من وجودي.

والواقع أن زيارة لودريان الحالية للبنان، كما زيارات آموس هوكشتاين وبينهما زيارات ماكرون ووزير خارجيته الجديد؛ كلها زيارات ما عاد هدفها بالجوهر حل أزمة الشغور الرئاسي؛ بل مقاربة الأزمة اللبنانية في ظل عدم وجود رئيس للجمهورية.

لا شك أن الفرق بين المجيء الدولي إلى لبنان لحل أزمة الشغور الرئاسي، وبين المجيء الدولي إلى بيروت لحل أزمة لبنان بظل عدم وجود رئيس، هو فرق ليس بسيطاً وصغيراً؛ ورغم أنه لا يرى بالعين المجردة، إلا أن معناه السياسي كبير، وله تأثيرات سياسية ضخمة ترى بالعين المجردة وبالمعايشة اليومية..

والفكرة هنا هو أن الخطيئة المرتكبة تتمثل بأن البحث الخارجي مع لبنان والبحث اللبناني اللبناني، يجري – عن قصد أو سهواً – على أساس أنه هل يمكن انتخاب رئيس (؟؟)، وكيف (؟؟)، ومتى (؟؟)؛ وليس على أساس لماذا لم يتم انتخاب رئيس حتى الآن، علماً أن الإجابات عن كيفية انتخابه، وعن مهلة انتخابه موجودة وموثقة بالدستور ذاته الذي على أساسه تم قبل أشهر انتخاب مجلس النواب الحالي ورئيس مجلس النواب الحالي وتعيين الحكومة الراهنة حينما كانت أصيلة وبعدما صارت تصريف أعمال، الخ..

 بكلام آخر فإن الفكرة المقصودة هنا هو أن إطالة الشغور الرئاسي بدأت تأحذ العاملين على خط حل هذا الموضوع، إلى التكيف مع فكرة أنهم باتوا مستغرقين داخل لعبة أن الأزمة ليس في غياب فخامة الرئيس بل في انعدام وجود الوسيلة التي تمكن من انتخاب فخامة الرئيس؛ وهذا منطق خاطئ وليس صحيحاً، ولا يؤدي إلى حل مشكلة الشغور الرئاسي بل إلى تبديل عنوان الأزمة، وتغيير المسار المؤدي للهدف الذي يجب أن يكون هو المقصود..

وضمن هذا الجو سيكون طبيعياً أن يأتي لودريان مستطلعاً إمكانية إيجاد وسيلة انتخاب للرئيس، وليس إمكانية الذهاب إلى صندوقة انتخاب الرئيس.. وسيكون طبيعياً أن لا يجد حلاً بل سيضيع داخل شبكة ميترو مقفلة مسالكها.

إن المطلوب إعادة تشخيص المشكلة حتى يمكن وصف دواء لها وليس إحضار علاج لمشكلة أخرى.

وبحسب ما هو قائم، فإن المشكلة هي وجود “شغور رئاسي” بات يتحول إلى “نزوح رئاسي” له خلفيات رمزية ديموغرافية؛ ومن ثم بدأ يتحول إلى أزمة يمكن التعايش معها وحلها بتدبير قانوني شكلي عن طريق إصدار بطاقة بدل عن فخامة الرئيس الضائع؛ يتم منحها لحكومة تصريف الأعمال مجتمعة، الخ.. وفي هذه الأثناء يتم تنفيذ خطط أمنية للقضاء على “تضخم ديموغرافيا الدرجات النارية”، ويتم منح مساحة للبلديات كي تمارس “فيدراليات عنصرية” ضد النازحين السوريين “كبروفا” لتعميم هذه التجربة محلياً فيما لو دعت الحاجة.

أخطر من الشغور الرئاسي هو تحول فخامة الرئيس إلى نازح سياسي؛ وهو الاعتياد الدولي قبل الداخلي على أن لبنان يشكو من أزمة متشعبة الأسباب تجري في ظل غياب فخامة الرئيس وليس من أزمة غياب فخامة الرئيس تنتج أزمات في بلد الأرز.

.. هنا يوجد فرق بين التوصفين.. وعدم لحظ هذا الفرق يؤدي إلى خلط التشخيص ومن ثم يصبح الدواء الدولي المطلوب للبنان ليس له علاقة بالبحث عن فخامة الرئيس المسيحي النازح عن قصر بعبدا!!

Exit mobile version