الهديل

خاص الهديل: عودة اللاجئين السوريين الى بلادهم مرفوضة.. والمجتمع الدولي له غاياته!!

خاص الهديل:

 

بعد نحو ثلاثة عشر عاماً من الأزمة السورية، تشهد العاصمة البلجيكية المؤتمر الثامن لـ “دعم مستقبل سوريا والمنطقة”، الذي يهدف إلى حشد الدعم المالي الحيوي من أجل تلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحا للسوريين والمجتمعات المحليّة المستضيفة لهم وتجديد دعم المجتمع الدولي للحل السياسي بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2254.

 

الكلمات والمواقف التي شهدها المؤتمر، بدت واضحة أن الملف السوري بات ثانويا، سياسيا ودوليا وإنسانيا، بذريعة أن ثمة ملفات وقضايا أكثر إلحاحا، وفي طليعتها الحرب الوحشية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، وآخرها المُعلنة ضد رفح. المؤتمر كان واضحاً منذ انطلاقه حيث رفض أيةَ حديث عن عودة محتملة للاجئين إلى وطنهم؛ والسبب جاهز ألا وهو ” الظروف ليست مهيأة للعودة”، ليكتفي المؤتمر بتعهد الاتحاد الأوروبي، بتقديم أكثر من ملياري يورو (2.17 مليار دولار) لدعم اللاجئين السوريين في المنطقة.

 

لبنان يُعد الحلقة الأقوى من بين الدول المشاركة، بالإضافة أنه يُعتبر من أكثر الدول التي تشكل هاجساً لدول الاتحاد الأوروبي، خصوصاً مع تصاعد هجرة السوريين بحراً من شواطئه في رحلات غير منتظمة، لا سيما نحو قبرص وإيطاليا، كوجهتين رئيستين، فبروكسل هذا العام يشكل وجهةً خاصة على صعيد التوجه اللبناني الموحد نحو التعامل مع التحدي الذي يشكله بقاء النازحين في لبنان، خاصةً وأن الدعوة لعودة النازحين السوريين إلى بلادهم قد حظيت بتأييد شامل من جميع الفئات السياسية في البرلمان اللبناني، حيث عملت وزارة الخارجية اللبنانية قبيل الانطلاق الى بروكسل بالتعاون مع رئاسة الحكومة على إعداد الكلمة التي سيلقيها الوزيرعبد الله بوحبيب في المؤتمر، والتي عبرت عن موقف لبنان الرسمي والشعبي برفض بقاء النازحين في لبنان، نظراً لتجاوز عددهم المليونين، ولصعوبة الأوضاع الاقتصادية التي يمر بها لبنان، وركزت الكلمة أيضاً على ضرورة دعم إعادة النازحين إلى سوريا، وتقديم الحوافز والدعم لهم في بلادهم.

 

المؤتمر انتهت أعماله، وكلمة بوحبيب في المؤتمر حملت معها المطالب والتوصيات التي أجمع السياسيون اللبنانيون عليها؛ لكن مع ذلك لا يتوقع الكثيرون تغييراً في الموقف الأوروبي بشأن النازحين السوريين؛ وذلك بسبب الانقسام في الاتحاد بشأن التعامل مع الحكومة السورية،على الرغم من تقديم بعض الدول مثل النمسا والتشيك وغيرها إعادة تقييم للوضع في سوريا، إلا أن السياسة الأوروبية تظل ملتزمة بالحل السياسي والعودة الطوعية للنازحين. لذا، لا يعتقد الكثيرون أن المؤتمر سيسفر عن أي تغييرات جوهرية في هذا الصدد.

 

لكن السؤال: لماذا لا يزال المجتمع الدولي وعلى رأسه الإتحاد الاوروبي يرفض إعادة النازحين السوريين من لبنان الى بلادهم، ولا يقوم بأي ردّة فعل تجاه خطوات ترحيلهم، ويلتزم فقط بتقديم المساعدات المالية؟!

هناك فرضيات يُعتقد بأنها وراء عدم قبول المجتمع الدولي في إعادة النازحين السوريين، وأغلبها تصب في مصلحة المجتمع الدولي لا لبنان ومنها:

أولاً: يسعى المجتمع الدولي إلى استخدام ملف النزوح في لبنان كوسيلة للضغط خلال المفاوضات المرتقبة للتسوية، من خلال تقديم تنازلات تتعلق بالإتفاق المستقبلي لترسيم الحدود البرية مع “إسرائيل”، هذا يهدف إلى ضمان أمن المستوطنات الشمالية وعودة نحو 100 ألف مستوطن إلى منازلهم في تلك المنطقة، بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن تستفيد الدول المعنية من قطاع النفط والغاز في المناطق البحرية اللبنانية.

ثانياً: المجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي يفكران في استثمار أموالهم في توطين النازحين في دول الجوار، خاصة في لبنان، بهدف الضغط لتحقيق حل شامل للأزمة السورية يتضمن تمويل عمليات إعادة الإعمار في سوريا.

ثالثاً: توجّه النازحين السوريين من لبنان الى القارة الأوروبية بطرق غير شرعية عن طريق البحر، ترغم الدول الأوروبية على استقبالهم كونهم طالبي لجوء، وهي دول لجوء. وتُكلّفها هذه الخطوة في حال إقامتهم على أراضيها، ثلاثة أضعاف ما تمنحه للبنان لإبقائهم فيه. فهي تمنح لبنان 250 ألف يورو سنوياً ، في حين أنّ كلفة استقبال مليوني طالب لجوء سوري على أراضيها، ستكون كلفته مضاعفة تصل الى أكثر من مليار يورو سنوياً. وهذا ما يُفسّر قبولها بإعطاء تركيا على سبيل المثال مليار يورو في السنة لاستضافتها مليوني سوري، ليس على أراضيها، إنّما في خيم عند الحدود السورية- التركية.

نستنتج مما سبق، أنه إذا قام المجتمع الدولي بتسهيل عودة النازحين السوريين من لبنان إلى بلادهم قبل تحقيق ما يريده، فسيفقد فرصة استخدامه لهم كورقة ضغط خلال المفاوضات المستقبلية لإعادة ترتيب منطقة الشرق الأوسط. ولهذا السبب، من المرجح ألا يقوم بهذه الخطوة حاليًا. يبدو أن إبقاء السوريين في لبنان، سواءً من خلال دمجهم أو توطينهم، هو الحل الأسهل حاليا بالنسبة للمجتمع الدولي، على الرغم من أنه لا يُرضي لبنان الذي يعارض حلاً يضع مصلحته ومصلحة شعبه في المقام الأول.

Exit mobile version