الهديل

خاص الهديل: سيطرة إسرائيل على محور فيلادلفيا: بين التصريحات السياسية والتحديات الأمنية

خاص الهديل:

 

يبدو أن تصريحات رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو المتكررة بشأن سيطرته على محور فيلادلفيا لم تذهب في مهب الريح، فبعد بداية حرب السابع من اكتوبر أعلن نتنياهو أن “محور فيلادلفيا” الحدودي بين غزة ومصر ينبغي أن يكون تحت سيطرة إسرائيل المباشرة، معتبراً عن اعتقاده أنذاك بأن حرب إسرائيل في غزة وجبهات أخرى في المنطقة ستستمر لشهور عديدة، وهو ما أعلن الجانب المصري عن رفضه في أكثر من مناسبة.

وأشار نتنياهو الى أن “محور فيلادلفيا”، أو بعبارة أدق نقطة التوقف الجنوبية (في غزة)، يجب أن تكون تحت سيطرة إسرائيل، وأنه يجب إغلاقه، مضيفاً أن أي ترتيب آخر لن يضمن نزع السلاح الذي تسعى إليه حكومته.

الجانب المصري حذَّر من انفجار الموقف بين مصر وإسرائيل جراء الضربات التي تطال الشريط الحدودي الفاصل بين مصر وغزة، خاصةً أن المحور يُعد منطقة عازلة ذات خصوصية أمنية؛ لكن ماهو محور فيلادلفيا وماهو هدف اسرائيل للسيطرة عليه؟؟

محور فيلادلفيا عبارة عن شريط الحدودي يمتد بين مصر وقطاع غزة بطول 14 كم من البحر المتوسط شمالاً إلى معبر كرم أبو سالم جنوباً، ووفقاً لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية لعام 1979، كان هذا المحور منطقة عازلة تحت سيطرة إسرائيلية حتى انسحاب إسرائيل من غزة في 2005 ضمن خطة “فك الارتباط”. وفي نفس العام، وقعت إسرائيل ومصر بروتوكول “فيلادلفيا” الذي سمح لمصر بنشر 750 جندياً على الحدود مع غزة لمكافحة الإرهاب والتسلل، دون تعديل اتفاقية السلام الأصلية

في 2007، سيطرت حماس على الشريط الحدودي بعد استيلائها على قطاع غزة، مما أدى إلى تجاوز الفلسطينيين لهذا الممر نحو الجانب المصري بسبب الحصار الإسرائيلي، ومنذ ذلك الحين، عززت مصر سيطرتها الأمنية على الشريط الحدودي

منذ يومين أعلن الجيش الإسرائيلي، “السيطرة عملياً على كامل” الشريط الحدودي الفاصل بين مصر وقطاع غزة، المعروف باسم “محور فيلادلفيا”؛ لكن يطفو السطح أسئلة حول دلالات السيطرة على هذا الشريط الأرضي الضيق، على طول الحدود بين مصر وقطاع غزة، والذي لا يتعدى عرضه مئات الأمتار، ويصل طوله إلى 14 كيلومتراً؟

اولاً: سيطرة إسرائيل على كامل المحور، إن صحت، تعني قطع حدود وعلاقة غزة الجغرافية مع مصر بشكل رسمي، وإطباق إسرائيل حصارها العسكري على كامل القطاع، وتأتي هذه السيطرة بعد رفض القاهرة اقتراحاً إسرائيلياً بتمركز أفراد أمن إسرائيليين على الجانب المصري من الحدود، للقيام بدوريات مشتركة مع مصر، الأمر الذي اعتبرته مصر انتهاكاً لسيادتها

 

ثانياً: سيطرة إسرائيل عملياً على محور «فيلادلفيا» الحدودي بين قطاع غزة ومصر، تريد به قطع «أنبوب الأكسجين» على حركة حماس، من خلال تحييد الأنفاق الحدودية هناك؛ ولكن لا تبدو المسألة بهذه البساطة وحسب، بل يتعلق الأمر بحسابات أخرى أكثر منها أهمية من الناحية الأمنية.

لكن شيء ما يلفت النظر، وهو أن الجانب المصري الى الآن لم يحرك ساكناً ولم يبدي أية رد فعل مع سيطرة اسرائيل على محور فيلادلفيا، وهو أمر يدعو للتساؤل: هل اسرائيل أخذت إذناً مسبقاً للسيطرة على المحور؟ هل القاهرة ستتحرك جراء العملية الاسرائيلية وخاصة أن جندياً مصرياً قُتِلَ منذ أيام على الحدود مع مدينة رفح جنوب القطاع إثر إطلاق نار!!، الأمر الذي كشفت عنه صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية نقلا عن مسؤول أمني مصري، بأن هناك اتفاقاً بين تل أبيب والقاهرة على “المضي قدماً” وجعل قضية مقتل الجندي المصري بنيران إسرائيل “تموت بسلام”، كما كشفت عن رغبة مصر في عدم “التصعيد” بسبب الواقعة!!

 

لكن من جانب آخر السيطرة الإسرائيلية على محور فيلادلفيا أتت لتصب الزيت على النار، خاصة أن القاهرة كانت تشهد توترا بينها وبين تل أبيب جراء العملية العسكرية المرفوضة من الجانب المصري، الذي نفى بدوره مرارا عبر بيانات للهيئة العامة للاستعلامات التابعة لرئاسة الجمهورية، وكذالك وزارة الخارجية، وجود أي تنسيق أمني بين مصر وإسرائيل بشأن العمليات العسكرية الدائرة حاليا داخل قطاع غزة، وتحديدا في محور فيلادلفيا أو في تلك المناطق الموجودة على الشريط الحدودي بين مصر وإسرائيل والمشار إليه في الملاحق الأمنية لاتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل بالمنطقة “د”.

 

تصريحات بعض المسؤولون المصريون جاءت رافضة بشأن سيطرة اسرائيل على محور فيلادلفيا معتبرين أن “حدود مصر تشكل خطا أحمر”. فيما رأى آخرون أن أراضي محور فيلادلفيا لا تقع ضمن السيادة المصرية، بيد أنهم يؤكدون أن سيطرة الجيش الإسرائيلي عليها بالكامل انتهاك لبنود اتفاقية السلام بين البلدين.

ختاماً: الإعلان الإسرائيلي عن سيطرته الكاملة على المحور تزامن مع تصريح نتنياهو الأخير بأنه يسعى للسيطرة على محور فيلادلفيا كخطوة استباقية قبل الشروع بالعودة إلى مفاوضات الأسرى مع حركة حماس… فهل نجح نتنياهو في خطوته أم ستكون سبباً في إطالة أمد الحرب، وهل تسبب العمليات العسكرية الاسرائيلية في رفح ومحور فيلادلفيا إحراجا للقيادة السياسية المصرية بالرغم من التحذير المصري المتكرر لإسرائيل من مغبة اجتياح رفح باعتباره تهديدا للأمن القومي المصري؟

Exit mobile version