سيبقى لفترة غير قصيرة هناك سؤال محوري مطروح سواء داخل المنطقة أو داخل الولايات المتحدة الأميركية، ومفاده ما هو الهدف الحقيقي الذي يسعى إليه بنيامين نتنياهو في حرب غزة؟؟.
السؤال مركب ومتشعب كون نتنياهو يعتمد في التعبير عن أهدافه من هذه الحرب، أسلوب المناورة والالتفاف على الحقائق والرهان على الاستثمار في استحقاقات داخلية وإقليمية وأميركية من بينها توقيت الانتخابات الرئاسية الأميركية..
شائع في الإعلام العربي وحتى العبري مقولة تفيد بأن نتنياهو لا يعرف ماذا يريد سياسياً وليس لديه خطة حول اليوم التالي في غزة، وأن نتنياهو يخوض “حرباً ثأرية” ضد حماس وغزة، وذلك على طريقة الاحتراب بين قبلتين؛ وهذا الرأي يوجد له تعبير حتى داخل الجيش الإسرائيلي الذي ينتقد شعار “النصر المطلق” الذي يرفعه نتنياهو ويعتبره صرخة ثأر وليس شعاراً سياسياً أو مصطلحاً عسكرياً..
وفي الحزب الديموقراطي الأميركي المشهود بتاريخه المدافع عن إسرائيل يقولون أنه “يجب حماية مستقبل إسرائيل من عبثية نتنياهو”؛ فيما رئيس المعارضة الإسرائيلية لابيد يعرض على نتنياهو الحماية السياسية من بن غفير وسموتريتش، كون هناك نظرية تسود أحزاب المركز مفادها أن “حماس تخطف الأسرى وبن غفير يخطف نتنياهو والأخير يخطف إسرائيل”؛ ولذلك ثمة من يعتقد أنه إذا تم تحرير نتنياهو من خطف بن غفير فإن نتنياهو سيطلق سراح إسرائيل والأسرى من سجن تعنته العبثي..
ولم يعد هناك شك بأن جزءا من تعنت نتنياهو وإدارة ظهره لنصائح بايدن ولابيد وغانتس (الخ ..) حول إبرام صفقة تبادل أسرى تنهي الحرب؛ يعود لحسابات تخص مستقبله السياسي الذي بات مرهوناً بإستمرار تأييد بن غفير وسموتريتش لإئتلافه الحكومي، ولكن هناك خلفيات أخرى توجه تعنت نتنياهو وتصلبه وإصراره على استكمال الحرب؛ ويمكن تقسيم هذه الخلفيات إلى نوعين إثنين:
النوع الأول هو طموحات نتنياهو الشخصية ليست فقط المتصلة بالعمل للحفاظ على حكومته لأن سقوطها سيجعله يقف على عتبة السجن وسيجعل كل تاريخه متهماً بخذلان إسرائيل؛ بل لكون نتنياهو يريد أن تنتهي حرب غزة على صورة له تحاكي صورة غولدا مائير التي قالت “لا” للرئيس الأميركي نيكسون حينما طلب منها الموافقة على إدخال أغذية للجيش الثالث المصري الذي حاصره الجيش الإسرائيلي بعد نجاح الأخير في فتح ثغرة الدفرسوار؛ وهو يريد صورة له تشبه بن غوريون الذي حقق لإسرائيل ما يسمى “باستقلال الأول” فيما هو الآن يريد تحويل حرب غزة الى حرب ٤٨ ثانية والى حرب استقلال ثانية تسفر عن نكبة فلسطينية ثانية قِوامها تهجير فلسطيني غزة وفلسطيني الضفة الغربية والتضييق على فلسطيني الـ ٤٨ على نحو يؤدي الى استنزافهم ديموغرافيا بمرور الوقت.
منذ اليوم الأول بعد ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ توجه نتنياهو لخوض حرب ديموغرافية ضد غزة بأكثر مما توجه لخوض حرب عسكرية ضد حماس.. نتنياهو، ككل قادة إسرائيل، قرأ جيداً تجربة إسحق رابين واريك شارون مع غزة ووصلت اليه الفكرة التي تقول أنه لا يمكن اخضاع جذوة مقاومة غزة عسكرياً؛ وأنه من الأفضل فك الارتباط معها وإدارة الظهر لها؛ ولكن نتنياهو من خلال تجربته مع غزة وصل لقناعة إضافية وهي أنه إذا كان لا يمكن القضاء عسكرياً على سمكة المقاومة في غزة فإن الحل هو بتجفيف البحر الذي تعيش فيه سمكة مقاومة حماس؛ أي تهجير غزة فوق الأرض وترك حماس تختنق تحت الأرض…
ويسعى نتنياهو لتحقيق هذا الهدف من خلال تدمير غزة فوق رأس كل من يقيم فيها: الأهالي المدنيون، الأسرى الإسرائيليون والأونروا والمؤسسات الطبية والهيئات الدولية، الخ..
المطلوب بحسب خطة نتنياهو، أن يتم الوصول إلى اليوم التالي في غزة، ولا يوجد فيها قائماً إلا جهة واحدة وهي الخراب والفراغ وحبل خلاص الهجرة منها..
إن خطة نتنياهو لتهجير غزة تبدأ بعد وقف الحرب في غزة وليس كما يظن الكثيرون خلال الحرب؛ تبدأ خطة التهجير في اليوم التالي لوقف الحرب؛ أي في نفس اليوم التالي الذي يتم الحديث عنه دولياً بوصفه لحظة البدء بإعادة نازحي شمال غزة الى منطقتهم، وإعادة الإعمار، ولكن من وجهة نظر نتنياهو فإن اليوم التالي هو موعد بدء النزيف الديموغرافي لأهالي غزة باتجاه أصقاع العالم.
بنظر نتنياهو ان عملية طوفان الأقصى منحته رخصة دولية وداخلية واقليمية ليكمل حرب الاستقلال الثانية التي كان بن غورون أنجز الجزء الأول منها؛ وحرب الاستقلال الثانية تعني تحقيق هدف أساسي وهو تهجير من لم تهجره حرب الاستقلال الأولى؛ وتعني تأكيد الأهداف التي وضعها جابوتنسكي وقوامها ردع المنطقة وحسم الصراع ضدها وإبقائها مكشوفة أمام تفوق إسرائيلي الاستعلامي والعسكري والاستيطاني..
بهذا المعنى فإن حرب غزة لن يكون لها توقيت نهاية وفق منهجية نتنياهو؛ هي حرب مستمرة بأشكال مختلفة وعلى مراحل، ولكن لن يكون هناك ساعة محددة يتم فيها إعلان وقف دائم للحرب..