على مدى سنوات، شهدت الساحة القضائية خلافات مستمرة بين أهل القضاء والمدعية العامة في جبل لبنان، القاضية غادة عون، فبعد اجتماعات عدة تمت بين القاضية عون والنائب العام التمييزي جمال حجار في مكتبه بقصر العدل، اعتُبر التواصل بينهما متجاوزاً لسلطة الرئيس على مرؤوسه، وفقاً لمصادر قضائية موثوقة.
العلاقة بين القاضي العام التمييزي جمال حجار والقاضية عون لم يكن فتوره رهيناً بالأحداث الحالية؛ إنما كان سابقاً، وذلك عندما تم توجيه كتابين من قبل رئيس قسم المباحث الجنائية المركزية، العميد نقولا سعد، إلى القاضية عون، بتوجيهات من القاضي الحجار. الأول يطلب الاطلاع على ملفات مصارف قيد التحقيق، بينما الثاني يتعلق بدعاوى مخاصمة مقدمة ضد المصارف.
وفي خطوة متزامنة، وجّه النائب العام التمييزي كتابا إلى النائبة العامة الاستئنافية في الجبل، يطلب فيه إيداع جدول بكل الشكاوى ضد المصارف ومراحل التحقيق بها، مع التأكيد على وقف التحقيقات في الملفات التي تتضمن مخاصمة للدولة، حتى بت الهيئة العامة لمحكمة التمييز، كما طلب منها بموجب هذا الكتاب الثاني إيداعه خلال مهلة يومين الملفات المتعلقة بإثنين من الملفات ضد مصرفين للاطلاع عليها وإعطاء توجيهات خطية عند الاقتضاء عملاً بالمادة ١٣ في قانون أصول المحاكمات الجزائية.
وفي مواجهة هذه التطورات، طلبت القاضية عون من القاضي الحجار إيداعها الملف المصرفي الذي كانت قد أودعته لها، فيما أكدت أنها لن ترفع يدها عن ملفات المخاصمة، نظرا لقرار رفض تبلغ دعاوى المخاصمة التي قدمتها.
وتشير المصادر أيضاً إلى رفع القاضي سهيل عبود يده عن الملف المعني بمجرد اكتشاف وجود دعوى مخاصمة، مضيفةً أن القاضي عبود أمّن النصاب لجلسة مجلس القضاء وعند طرح دعوى المخاصمة لم يشارك في بتّها وصدر القرار بعدم صلاحية مجلس القضاء بت هذه الدعوى. وقد تقدّمت القاضية عون بمراجعة في صددها أمام مجلس شورى الدولة.
وفي تطور لافت، قررت السلطة القضائية التحرك ضد قاضية “العهد البرتقالي”، في خطوةٍ تعتبر جريئة من نوعها، وعرّابها المدعي العام التمييزي الحالي، القاضي جمال الحجار، الذي يستعد لاتخاذ إجراءات عقابية ضدها، بسبب ما يعتبره “تمردها” على قراراته وتوجيهاته بخصوص ملفات عالقة أمامها، ورفضها الامتثال لدعاوى الرد والمخاصمة المقدمة ضدها.
ووفقاً لمصادر قضائية، قام الحجار بتوجيه كتاب رسمي إلى القاضية عون طلب فيه الاطلاع على بعض الملفات، بما في ذلك ملفات المصارف؛ إلّا أنها رفضت ذلك وأجابت على كتاب الحجار بأسلوب خارج عن الأصول القانونية واللياقات، كما تناولت زملاءها بالنيابات العامة بأسلوب ساخر ومسيء وخصوصا النائب العام الإستئنافي في الجنوب القاضي رهيف رمضان.
وتشير المصادر إلى أن القاضية عون أبلغت الحجار بأنها لن تتخلى عن الملفات، خاصة المتعلقة بالمصارف، وربطت قبولها لهذا الطلب بتنحي رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود عن الملف الذي تُحاكم بسببه أمام المجلس الأعلى للتأديب، استجابة لدعاوى الرد والمخاصمة التي رفعتها ضده.
وفي سياق متصل، أكد مصدر مطلع في قصر العدل في بيروت أن مجلس القضاء الأعلى أحال القاضية عون إلى التفتيش القضائي بسبب تمردها على رئيسها والإساءة إلى زملائها القضاة، مشيراً الى أن هناك إجراءات عقابية ستتخذ خلال الساعات المقبلة بحقها، وهذه الإجراءات ستكون شبيهة بتلك التي استخدمها عويدات ضد عون.
وعلى الرغم من التدابير القانونية التي يعتزم القاضي الحجار اتخاذها، تظل الأسئلة تدور حول الإجراءات التي سيتخذها النائب العام التمييزي!!، ففي ظل الشغور في هيئة التفتيش القضائي وتوقف عمل الهيئة العليا للتأديب، يبدو أن التحديات تتعاظم. وفي هذا السياق، تأتي تصريحات القاضي الحجار بطلب إيداع ملفات الشكاوى المقدمة من مودعين ضد بعض المصارف لتثير الاستفسارات حول مدى تأثيرها وتبعاتها المحتملة.
ورغم نفي المصادر القضائية أية أبعاد سياسية لتصريحاته، إلا أن الجدل يستمر حول إمكانية تفسيرها بوصفها إنذاراً باتخاذ إجراءات أكثر تشدداً، خاصة بالنظر إلى الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها لبنان وتداعياتها على النظام المالي والمصرفي.