خاص الهديل:
بقلم: ناصر شرارة
خلال الأيام الأخيرة انتقل ثقل الأحداث السياسية والعسكرية والأمنية من الجبهة الجنوبية بين إسرائيل وحماس في غزة إلى الجبهة الشمالية بين إسرائيل وحزب الله في لبنان.
وهذا التطور يمكن أن يؤكد صدقية هدف المواجهات كما يشير إليه حزب الله، وهو نجاح استراتيجية إسناد غزة عبر الضغط على إسرائيل شمالاً للتخفيف عن غزة جنوباً؛ ولكن هناك في المقابل من يقول أن انتقال الضوء الإعلامي من غزة التي هي جنوب فلسطين إلى جنوب لبنان قد يضر إعلامياً بقضية غزة المحتاجة لاجتذاب كل الضوء الإعلامي إليها..
وبكل الاحوال فإن تطورات الجبهة الشمالية أو جبهة لبنان مع إسرائيل، أظهرت أن ما يحدث على هذه الجبهة هو حرب فعلية تجري تحت سقف احترام عدم توسيع ميدانها من جهة، واحترام رغبة كل أطرافها بعدم تحولها حتى الآن إلى حرب شاملة من جهة ثانية.
والضوابط التي تحول دون تحوّل مواجهات الجبهة الشمالية – حسب المصطلح الإسرائيلي – لحرب شاملة، هي ثلاثة ضوابط استراتيجية:
الأول هو قرار أميركي استراتيجي بأنها ضد توسيع حرب غزة لأسباب ذات صلة بالأمن القومي الأميركي وليس فقط بحماية إسرائيل.
وقد عبّرت واشنطن عن هذا المعنى عندما أرسلت بوارجها إلى المنطقة بعد ساعات من اندلاع حرب طوفان الأقصى في ٧ أكتوبر.. وعبّرت هذه الخطوة عن أن واشنطن تريد إيصال رسالة واضحة للعالم تقول: ممنوع استغلال حرب غزة من قبل الإقليميين والدوليين للدخول إلى نادي صراعات الشرق الأوسط. هذا الإعلان الأميركي كان موجهاً للصين بالدرجة الأولى، ولإيران بدرجة مركزة، ولروسيا بدرجة ثالثة.
الضابط الثاني الاستراتيجي يتعلق بأن كل القوى المعنية بأمن المنطقة، تدرك أن حرب غزة تظل حرباً فلسطينية إسرائيلية ذات تأثيرات سياسية هائلة على الإقليم والعالم، ولكن ذات تأثيرات أمنية وعسكرية خارجية يمكن ضبطها؛ ولكن الحرب بين إسرائيل وحزب الله ستتحول إلى حرب إقليمية تتجاوز ميدانها اللبناني الإسرائيلي ولا يمكن ضبط اتساعها العسكري.. بمعنى أن انفجار الحرب على الجبهة الشمالية سيأخذ المنطقة إلى فوضى عسكرية عارمة، بينما تفجر حرب غزة يظل من الممكن حصره عسكرياً داخل النطاق الفلسطيني رغم إنشغال العالم والإقليم سياسياً وإعلامياً ودبلوماسياً بها..
الضابط الاستراتيجي الثالث له صلة بوجود توافق عميق قائم بين واشنطن وتل أبيب غير معلن، قوامه أن إسرائيل بمساعدة أميركا مسؤولة عن الدفاع عن أمنها داخل نطاق فلسطين التاريخية، في حين أن القيادة الوسطى الأميركية ومعها الإدارة الأميركية والناتو ودول أخرى حليفة لواشنطن، هي المسؤولة عن الدفاع عن أمن إسرائيل حينما يتعرض لهجوم من خارج أرض فلسطين التاريخية، أي من أرض إقليمها؛ أو حتى من هيئات سياسية دولية!!.
.. وهذا التوافق هو الذي يفسر لماذا أخذت أميركا “عدة فيتوات” لصالح إسرائيل في مجلس الأمن رغم التباين بين بايدن ونتنياهو، ولماذا الكونغرس الأميركي أدرج محكمة الجنايات الدولية على قوائم العقوبات؛ وهو الذي يفسر أيضاً لماذا إسرائيل لا ترد عسكرياً بنفسها على هجمات الحوثيين ضد حركة تجارتها في البحر الأحمر، ولا على الصواريخ الآتية إليها من مناطق الحوثي في اليمن.. وهذا ما يفسر لماذا الجهد العسكري الأكبر والأساسي في التصدي لمسيرات وصواريخ إيران التي هاجمت إسرائيل في نيسان الماضي، كان أميركياً وغربياً وليس إسرائيلياً.
وفي حالة حزب الله فإن واشنطن لا تزال تعتبر أن ما يحصل هو مواجهات حدودية (ميدان ال ٣ كلم)، وليس حرباً شاملة ضد إسرائيل؛ وكان لافتاً أول أمس حينما قال الشيخ نعيم قاسم أن الحزب لا يريد توسيع الحرب بل يريد الضغط لإيقاف حرب غزة..
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه في حال تم فعلياً اتخاذ قرار بالرد بحرب شاملة على حزب الله وضد لبنان؛ فإن هذا القرار لن يتخذ في كابينت الحرب الإسرائيلي، بل في القيادة الوسطى الأميركية ومن سينفذه هو ناتو أميركي شرق أوسطي وليس الجيش الإسرائيلي.
وحتى هذه اللحظة لا تريد إدارة بايدن شن حرب على حزب الله؛ وما تريده هو أن تمهد المواجهات بين إسرائيل وحزب الله إلى إبرام تسوية الحدود البرية اللبنانية الإسرائيلية برعاية هوكشتاين، الأمر الذي تحتاجه حملة انتخابات بايدن.