خاص الهديل:
بقلم: ناصر شرارة
منذ الأيام الأولى على عملية طوفان الأقصى التي حدثت يوم ٧ أكتوبر العام الماضي كان هناك صوت قوي داخل إسرائيل يدعو لشن حرب استباقية على لبنان؛ ويوم ١١ أكتوبر ٢٠٢٣ أبلغ الإسرائيليون واشنطن بوجود معلومات لدى الموساد بأن قوة الرضوان التابعة لحزب الله تعتزم شن هجوم على مستوطنات الحدود الشمالية، وأن الجيش قرر القيام بحرب استباقية؛ لكن إدارة بايدن طلبت عدم شن حرب ضد لبنان، لأن ذلك سيؤدي لحرب إقليمية؛ وقللت السي آي إي حينها من أهمية معلومات الموساد.
والواقع أن فكرة شن حرب على لبنان ولدت داخل كواليس المستوى السياسي والعسكري الإسرائيلي قبل حدث ٧ أكتوبر؛ ففي تسجيل صوتي لرئيس هيئة الأركان السابق كوخافي الذي شغل منصبه بين عامي ٢٠١٩ – ٢٠٢٣ قال أن إسرائيل قبيل حدوث عملية طوفان الأقصى، كانت خططت لاغتيال يحيى السنوار ومحمد الضيف؛ ولكن الاتجاه العام لدى تل أبيب كان يعطي أولوية للحرب ضد حزب الله وايران..
اليوم يدخل الوضع على الجبهة الشمالية منحى خطيراً جداً؛ حيث عاد القرار الإسرائيلي في هذه اللحظة بخصوص الموقف من حزب الله، للتموضع داخل نفس المربع الذي كان فيه قبيل يوم ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ وخلال الأيام الأولى من بدء معركة طوفان الأقصى: أي إعطاء أولوية للحرب على حزب الله وتوجيه ضربات نوعية لإيران.
فقبيل نحو أسبوعين تقصّد نتنياهو أن يوجه عملية اغتيال ضد مستشار عسكري إيراني وذلك في منطقة حلب. وعقّب قائد الحرس الثوري على ذلك بالقول أن الحرس سيرد بقوة على إسرائيل؛ واستغرب مراقبون عملية الإغتيال الإسرائيلية هذه، وذلك بالنظر إلى أن تل أبيب تقصف بالعادة مواقع للحرس الثوري وحلفائه المتواجدة في منطقة جنوب دمشق الملاصقة للجولان المحتل، ولكن قيام نتنياهو بتقصّد موقع للحرس الثوري في حلب البعيدة عن الحدود مع إسرائيل، إنما ينطوي على وجود رغبة لدى نتنياهو لإعادة الوضع في الإقليم إلى التداعيات الأمنية الخطرة التي أعقبت لحظة قصف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في دمشق.
وقالت هذه المعلومات أن نتنياهو يريد الهروب من الضغط الدولي عليه؛ ومن حملة الاتهامات القانونية الدولية ضده؛ وأيضاً من إرغامه على القبول بصفقة تبادل الأسرى مع حماس؛ بإعادة خلط الأوراق في الإقليم؛ وجرّ قدم إيران إلى داخل ميدان تداعيات حرب غزة..
ويبدو أن التصعيد الذي احتدم مؤخراً على جبهة الشمال بين إسرائيل وحزب الله، يندرج في سياق اتجاه نتنياهو لنقل الأضواء من ميدان غزة إلى ميدان الشمال مع حزب الله وإيران؛ وذلك بقصد الإيحاء للمجتمع الدولي بأن أساس المشكلة ليس مع حماس فقط، وأن حل المشكلة لا يتم بتبادل الأسرى؛ بل أن أساس المشكلة يقع في “زعزعة إيران للأمن في المنطقة؛ ولدور حزب الله في هذا الجهد الإيراني”. ويلاحظ أن جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأميركي يتناغم مع نتنياهو حينما يصف هذا الدور الإيراني “بأنه جهد شرير”؛ ولكن سوليفان يدعو لمعالجة تداعيات هذا الوضع الإيراني عبر تنفيذ مبدأ بايدن الذي يقوم على تجسيد استراتيجية الاندماج الإقليمي لعزل طهران.
أغلب الظن أن نتنياهو لن ينجح في هذا التوجه بالنظر لمجموعة أسباب:
أولاً- موقف بايدن الحاسم لجهة منع توسع الحرب. وكان لافتاً أمس تصريح الخارجية الأميركية حول أن أولوية أميركا في هذه اللحظة عدم توسع حرب غزة.
ثانياً: تقصّد حزب الله أن يوجه أكبر كم من الرسائل العسكرية النوعية ضد إسرائيل خلال الأيام الأخيرة.. وهدف الحزب من ذلك ليس تصعيد القتال، بل إيصال رسالة لتل أبيب تحذرها من توسيع القتال باتجاه أن يصبح حرباً شاملة..
.. وكان نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم واضحاً حينما قال قبل عدة أيام أن الحزب لا يريد توسيع المواجهات مع إسرائيل..
السؤال في هذه اللحظة هو إلى أي مدى سيذهب نتنياهو في لعبة الهروب من استحقاقات غزة عن طريق التمادي في مناورة إيصال الوضع في جنوب لبنان إلى حافة الهاوية؟؟.
وهل يذهب نتنياهو في لعبته هذه إلى مدى أبعد، بحيث يورط الإقليم وأميركا بمواجهة مع إيران وبحرب مع حزب الله؟؟.