خاص الهديل:
بقلم: ناصر شرارة
من السابق لأوانه إطلاق نتائج على واقعة الهجوم المسلح على السفارة الأميركية في منطقة عوكر.. ويظل هذا الأمر صحيحاً حتى لو تجمعت بعض المعلومات عن كيف تحرك المنفذ خلال قيامه بالعملية، ومن أين انطلق (؟؟)، ومن هم أصدقاؤه (؟؟)، الخ..
ولعل أهم معطى وأثمن معلومة توصل إليها التحقيق اللبناني في هذه القضية، هو المعلومة التي تبرع بها المنفذ من تلقاء ذاته، وذلك بعد إصابته على يد الجيش اللبناني وقبل أن يفقد وعيه، والتي قال فيها أنه فعل ذلك من أجل غزة..
لقد حدد المنفذ هدف العملية، وبذلك قطع التحقيق ثلاثة أرباع المسافة نحو اكتشاف كل ملابساتها؛ على اعتبار أنه بعلم التحقيق فإن اكتشاف هدف الجريمة يوصل إلى منفذها.
.. ولكن في واقعة الهجوم على سفارة عوكر، هناك أكثر من هدف، حتى لو ذكر المنفذ هدفه الأهم بينها وهو نصرة غزة، أو لنقل حتى لو ذكر المنفذ هدفه الذي يريد إعلانه أو الذي يعرفه (أي نصرة غزة) من بين أهداف أخرى مضمرة..
في عملية سفارة عوكر هناك عدة هويات يحملها المنفذ، فهو أولاً شاب عربي مسلم لديه ردة فعل على ما يحدث في غزة؛ وهذا النوع من ردود الفعل – بغض النظر عن الموقف منه – إلا أنه لم تفاجأ به لا المخابرات الأميركية ولا الغربية أو العربية ولا السفارة الأميركية أو الأجهزة الأمنية اللبنانية؛ فالجميع في العالم كان يتوقع، ولا يزال يتوقع أن يؤدي ما يحدث في غزة إلى ردة فعل إسلامية يقوم بها شباب مسلمون حول العالم يعتقدون بأنه يجب الثأر لأطفال وشيوخ غزة الذين قتلوا بالآلاف تحت أضواء الكاميرات على أيدي الإسرائيلي المسلح بسلاح أميركي والحاصل على دعم أميركي مطلق.
.. وأيضاً يحمل المنفذ هوية أنه “نازح سوري” يقيم في لبنان؛ وهؤلاء النازحون السوريون المقيمون في لبنان، يوجد بخصوصهم علامة سؤال كبير وملتبس عن السبب الذي يجعل المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية، ترفض عودتهم إلى سورية، رغم أن الأزمة الأمنية هناك انفرجت، وبات يمكن للكثير منهم العودة إلى بلدهم؟؟.. ويطال هذا السؤال عنهم ايضاً، قضية لماذا يمول المجتمع الدولي سيناريو بقاء نزوحهم عن سورية؛ بدل أن يدفع هذه الأموال على سيناريو إعادتهم إلى سورية.
وفي ظل كل هذه الأسئلة الملتبسة حول لماذا يقيم هذا النازح السوري في لبنان؛ يصبح السؤال عن لماذا قام هذا النازح السوري في لبنان بإطلاق النار على سفارة عوكر من أجل غزة، هو واحد من الأسئلة الهامة وذلك حول خلفيات هوية المنفذ وأهداف من يقف وراءه، وليس كل الأسئلة!!.
أضف لكل ما تقدم أن النازح السوري المنفذ والمقيم في لبنان والمنتصر لقضية الثأر لغزة؛ هو أيضاً نازح سوري يبحث عن استقرار، وعن طرف واحد ينتصر لقضية إنهاء نزوحه، ولكن كل ما يجده (أي النازح السوري) هو دوليون وإقليميون يريدون الاستثمار السياسي في معاناته مع نزوحه؛ وقوى داخلية لبنانية تحاول تعويض نقصان وطنيتها من خلال إظهار مغالاة مفتعلة ضد الآخر السوري غير اللبناني!!.
وخلاصة القول في هذا المجال أنه بمجرد أن منفذ عملية الهجوم على سفارة أقوى دولة في العالم، هو أفقر إنسان في العالم (أي النازح السوري في لبنان)، فإن هذا يجعل عملية عوكر أشبه بهجوم يتضمن هجمات كثيرة وأهداف عديدة، ويجعل منفذ الهجوم بمثابة مسلح يحمل هويات عديدة اجتماعية وسياسية وعقائدية، الخ..
إن خلاصة الفكرة هنا تريد القول أولاً أن بيئة النزوح السوري التي يراد لها أن تظل نازفة تشكل علامة خطر على الجميع (دول قوية ودول فقيرة) في مرحلة اليوم التالي بعد حرب غزة؛ وتريد القول ثانياً أن النازح السوري يمثل جيلاً عربياً جديداً من أجيال النكبات العربية التي كان أول جيل فيها هو جيل نكبة العام ١٩٤٣ الذي لا تزال المنطقة تدفع ثمن المظلومية الصهيونية التي وقعت عليه.
وكل ما تقدم يقود إلى استنتاج أكيد وهو أن النزوح السوري في لبنان لن يستمر مع الوقت أزمة لبنانية، وأزمة للنازحين السوريين، بل سيصبح بفعل منطق تطور الأمور – وليس بالضرورة بفعل تدبير مستفيد – إلى أزمة للكثر من نواحي الأمن العالمي..