الهديل

بعد أول وفاة بشرية بانفلونزا الطيور… هل الانتشار الوبائي الواسع مستبعد؟

 

بعد أول وفاة بشرية بانفلونزا الطيور… هل الانتشار الوبائي الواسع مستبعد؟

جدّد مصطلح أنفلونزا الطيور اقتحامه نشرات الأخبار بعد تسجيل أول وفاة في المكسيك بسبب متحور “إتش 5 إن 2” (H5N2) في 23 مايو (أيار) 2024، وهي الحالة نفسها التي اعتبرت أول إصابة به بين البشر في 17 أبريل (نيسان) 2024، وفق “#منظمة الصحة العالمية”.

وبشكل شبه متزامن، سجلت الولايات المتحدة في مستهل إبريل (نيسان) 2024، أول تفشٍّ بين البقر لفيروس أنفلونزا الطيور من نوع “إتش 5 أن1” H5N1.

 

العودة إلى هونغ كونغ

وتذكيراً، في عام 1996، جرى التعرف للمرة الأولى إلى فيروس أنفلونزا الطيور من نوع “إيه/ اتش 5 إن 1” A/H5N1 في مزرعة للطيور في جنوب الصين. وبعدها بسنة، حدثت الإصابات البشرية الأولى بفيروس أنفلونز الطيور في هونغ كونغ.

ومنذ ذلك الوقت، تكررت الموجات الوبائية لأنفلونزا الطيور، مع حدوث إصابات ووفيات بشرية منه. ويقلق العلماء اليوم من أن يصبح هذا الفيروس بفعل التغييرات الجينية في تركيبته، أكثر قدرة على العدوى والانتشار.

 

وتتابع منظمة الصحة العالمية والخبراء حول العالم من كثب مسار الإصابات المسجّلة بين الحيوانات والبشر. ومنذ عام 2023 يحذّر العلماء من سرعة انتشار فيروس أنفلونزا الطيور خصوصاً أن العدد المتزايد لموجات انتشاره بين الحيوانات الثدييّة أصبح مقلقاً.

 

وبصورة عامة، يمكن أن تسبب عدوى أنفلونزا الطيور لدى البشر التهابات تراوح ما بين الخفيفة والحادة في الجهاز التنفسي العلوي، ويمكن أن تكون مميتة.

 

منذ تسعينيات القرن العشرين، أُبلغ عن نحو 900 إصابة بشرية بفيروس “إتش 5 أن 1” H5N1، وتوفي نحو نصف المصابين بالعدوى.

 

ماذا بعد المكسيك؟

وبعد وفاة أولى لإصابة مؤكدة مخبرياً من فيروس “اتش5 أن2″، بات من الملح إيراد قراءة علمية للمعطيات الفعلية عن فيروس أنفلونزا الطيور وأنواعه ومتحوراته.

 

“عموماً، لا يُشكّل فيروس أنفلونزا الطيور من سلالة H5N2 خطراً داهماً في التحوّل إلى #جائحة”، وفق ما يشرح الباحث في علم الفيروسات والأمراض الوبائية البروفيسور حسن زراقط ويضيف، “إن H5N1 موجود منذ أكثر من خمسة وعشرين عاماً، ويراقبه الخبراء والعلماء من كثب، لأنه يُسبب حالات وفاة بنسبة عالية عند الطيور كما عند البشر في حال انتقال العدوى. وأول وفاة بهذا الفيروس سُجّلت في عام 1997 في هونغ كونغ”.

 

أما بالنسبة إلى السلالة المنتشرة اليوم H5N1 أ، فهي مقلقة جدّاً، نظراً إلى أن بقعة انتشارها الجغرافيّ زادت كثيراً بين الطيور المهاجرة و#الدواجن، وارتفعت معها إصابات الحيوانات مثل الثعالب، الفهود، الثدييّات المائية… والخوف من أن نشهد تغييرات في الفيروس تؤدي إلى انتشاره أكثر بين الحيوانات، وبالتالي اكتساب القدرة على الانتقال بين البشر”.

 

لا جائحة في الأفق

يؤكد زراقط الذي نشر عدداً من الدراسات المهمّة عن أنفلونزا الطيور أنه “حتى الآن، لا قدرة للفيروس على الانتقال المباشر من إنسان إلى آخر. ونلاحظ أن الحالات المسجّلة جميعها تعود إلى احتكاك الشخص مع الحيوان (الدواجن مثلاً) من دون أن ينقلها إلى شخص آخر إلا في حالات نادرة ومحدودة جداً. وفي آخر انتشار وبائي للفيروس في أميركا، في مزرعة للبقر، أصاب الفيروس للمرة الأولى البقر. ويمكن النظر إلى هذه المستجدات على أنها مقلقة، لأن احتكاك البشر بهذه الحيوانات دائم، وبالتالي ترتفع فرص انتقال الفيروس إلى الإنسان”.

 

وإلى جانب زيادة الانتشار الجغرافي للفيروس بين الحيوانات والاحتكاك البشري الدائم بالحيوان، يقلق زراقط من أنه “في البداية لم تكن هناك قدرة على تتبّع الفيروس بدقة. كانت هناك صعوبة في الوصول إلى المزارع بسبب طبيعة النظام الأميركي الفيديرالي واللامركزي بشأن مراقبة الرصد الوبائي، ما أدّى إلى التأخر في السيطرة على الانتشار، بالإضافة إلى غياب الإجراءات الصارمة للحدّ من الفيروس، خصوصاً في المرحلة الأولى من ظهوره. ونتيجة ذلك، بقي الفيروس ينتشر، وأصاب فئران المزارع للمرة الأولى أيضاً، وهذا أمر مقلق جداً”.

 

أنماط متعددة ولكن…

ويُعدّ فيروس الأنفلونزا كائناً بيولوجياً متعدد الأنماط، وتتفرّع منه سلالات عدة. وتتمحور الأنماط الشائعة الانتشار بين البشر بنوعي “إيه” A و”بي”B. ويعتبر النمط A الأكثر تنوعاً، ومنه أنفلونزا الطيور H5، الذي يُعدّ الأكثر خطراً، لأن نسبة الوفيات تكون مرتفعة جداً، إذ تكاد تتجاوز الـ50 في المئة عند البشر. وبالرغم من أن الفيروس يُشكّل مصدراً مقلقاً لا يمكن التغاضي عنه، فإنه لم يكتسب بعد قدرة عالية على الانتشار المباشر من إنسان إلى آخر.

 

ويتحدث زراقط عن تجربة أجريت في أميركا حول الفيروس المنتشر في مزارع البقر H5N1 حيث وجد العلماء أن الفيروس ينتشر بقوة بين حيوانات “النمس” عبر اللمس أو الاتصال المباشر، بينما كان انتقاله عبر الهواء منخفضاً جداً. لكن معدلات الحالات التي وصلت إلى الموت، كانت عالية جداً. ويعتمد العلماء على حيوان النمس لدراسة فيروسات الأنفلونزا وغيرها بالنظر إلى تشابهات عدة بين الجهاز التنفسي لذلك الفيروس وبين ما يقابله عند البشر.

 

هل نأكل الدجاج؟ هل نتناول الجبنة؟

وأمام هذا الواقع، هل تناول الدجاج والأجبان يكون آمناً؟ يُطمئن زراقط إلى أنه يمكن تناولها بشكل طبيعي، لأنه لم يثبت وصول الفيروس إلى لبنان أو أيّ منطقة عربية. ويشير إلى أنه في أوقات سابقة، سُجّلت حالات في مزارع الدواجن، وتمت السيطرة عليها بسرعة. ويشدد أيضاً على أن أفضل طريقة لضمان سلامة الغذاء تتمثل بطهو الدجاج والبيض جيّداً، وبسترة الحليب، لأن الفيروس ظهر بنسبة عالية في الحليب.

 

وبانتظار ما ستكشفه هذه السلالة في الأيام المقبلة، من المهم التشديد على أهمية الترصد ومتابعة أيّ إصابة بالأنفلونزا عند الحيوانات، والإبلاغ عنها لدى وزارة الزراعة

Exit mobile version