بين الفوضى والمخالفات: الفان رقم 4 يحكم شوارع بيروت
خاص الهديل:
بين موقفه القريب من الجامعة اللبنانية في حي السلّم ومستشفى الجامعة الأميركية في بيروت يصول الفان رقم 4 ويجول على كيفِه، بلا حسيب أو رقيب. وتنشط المنافسة بين سائقيه على الخط الذي أصبح بمثابةِ ملك خاص لأشخاص يقفون وراء أصحاب هذه الفانات ابتداءاً من الضاحية مروراً بساحتَي الشهداء ورياض الصلح وصولاً إلى مصرف لبنان، ولعل أكثر ما يثير القلق هو أن كثيراً من سائقي هذه الفانات يقودون بدون رخصة قانونية، هذا الأمر ليس مجرد مخالفة قانونية؛ بل يشكل تهديداً حقيقياً للسلامة العامة. أي ما نعنيه أن غياب الرخصة يعني أن السائق قد لا يمتلك المعرفة الكافية بقواعد المرور أو مهارات القيادة الأساسية، مما يزيد من احتمالية وقوع الحوادث المرورية وتعريض حياة الأبرياء للخطر.
يتمتع سائقو الفان رقم 4 بمواهب مميزة في القيادة وقدرة على انتهاك كلّ قوانين السير بأقل خسائر ممكنة. فلا احترام للقوانين وللسلامة العامة في شرعة الرقم 4، ما يجعل من الراكب مشروع مصاب على لائحة الحوادث المرورية، حيث لا تتوقف المخالفات فقط عند القيادة بدون رخصة، بل تشمل الكثير من المخالفات، وذلك من خلال الميزة التي يمتلكها سائقوه كالسرعة الخارقة لإيصال الركاب إلى وجهتهم خلال دقائق، ميزة يسعد بها المتأخرون على أشغالهم، بينما تتحول إلى كابوس بالنسبة لآخرين، فيهلعون ويبدأون بالصلاة وتزداد دقات قلوبهم تسارعاً عندما يزيد السائق من سرعته. أما الإشارة الحمراء فلا تعني السائق فلا يهين عليه التوقف عندها، ولا تعيق الزحمة سيره، يصعد على الرصيف، يعبر عكس السير، دون الاكتراث لعواقب هذه الامور. قيادة متهورة يلحظها سائقو السيارات الخاصة فيتنبهون جيداً من الفان الذي حفظوا اسلوبه. فهو المعروف بسرعة انتقاله من اليسار إلى اليمين لالتقاط الراكب، والتوقف فجأة في منتصف الطريق. ويتجنبون مزاحمته لإدراكهم بأن سائقه لا يخشى حوادث السير بل يفتعلها إن غضب، إضافة إلى وقوفهم بمنتصف السير بطريقةٍ عشوائية، تمنع السيارات من المرور، ناهيك عن الانفعالات والتصرفات التي تخرج منهم إذا استخدمت زمور سيارتك.
ويتميّز سائقو الفان رقم 4 بشخصيّات مثيرة للاستغراب، ربما يطبعها الملل والعمل اليومي على الخط ذاته، حيث على السائق أن يفرض هيبته ليستمر. فلا مكان للضعفاء على هذا الخط، خط المنافسة الشرسة التي لا تحتمل التراجع أو التهاون، وحيث يدفع السباق على الراكب بالسائقين لتصرفات جنونية. يُتّهم هؤلاء بالتعامل مع الركاب كملك خاص، والنكتة أن السائق عندما يرى الراكب يراه على هيئة ورقة نقدية لا بشراً. كل هذه التصرفات طبعت في ذهن الراكب صورة نمطية عن السائق الذي يوصف بغرابة الأطوار. فمثلاً قد تفاجأ بأن يترك السائق المقود ويخرج نصفه من باب الآلية ليغسل وجهه أيّام الحر بينما يسير ببطء، فلا تصدق المشهد وينقبض قلبك. أو قد يدفع الخلاف بين سائقين على راكب لأن يغامرا بحياة جميع الركاب فيزاحما بعضهما إلى حد أن يسعى أحدهما لصدم الآخر متناسياً أن في الفان أرواحاً. في لحظات كهذه يخيم الهلع على بعض الركاب، بينما يتصرف ركاب آخرون بشكل طبيعي، كونهم اعتادوا هذه التصرفات، بينما قلة تجرؤ على الاعتراض على هذا التهور، فالأغلبية راضخة لحكم الفان، وهنا نصل نقطة مهمة ومفادها أنه على الرغم من المخالفات التي يتركبها سائقو فان رقم 4، بات راكبوه “ركاب الفان 4” يعانون أيضاً من سلوكيات عدوانية وفوضوية يمارسها بعض سائقي هذه الفانات، والتي لا تتوقف عند حدود المخالفات المرورية، فتصل أيضاً لتعرض أصحاب السيارات الخاصة، وخاصة النساء اللواتي يقدّنَّ السيارات، حيث يعمل بعضهم على التلفظ معهم عبر نافذة الفان بكلمات وعبارات بذيئة، إضافةً لإستعمال أصابعهم عبر توجيهها للنساء والمارة بطريقة مخلة بالآداب. علاوة على ذلك التصرف بطريقة فوقية وعدوانية مع الركاب والتي من المحتمل تصل للتعدي الجسدي والتهديدات، سواء بسبب خلاف على الأجرة أو بإجباره أن يركب معه.
ولا يقتصر الأمر على ما ذكرناه، فالمشاهد الشائعة في شوارع بيروت من سير الفانات بأبواب مفتوحة، بات يُشكّل خطراً كبيراً على سلامة الركاب، ما يعرضهم للسقوط اولاً، وتشويه لصورة البلد في نظر السائح ثانياً؛ وخاصةً كما ذكرنا بأن الفان يمر بمناطق راقية في بيروت.
خلف الصورة العفوية لحركة الفانات والفوضى القائمة، عصابات تنظّم عملها على هذا الخط في ظل غياب كامل للدولة وأجهزتها الأمنية. تحتلُّ هذه العصابات نقاطاً حيوية على الطرقات، تحوّلها لمواقف عبر “السلبطة” تحت أنظار البلديات وعناصر قوى الأمن الداخلي. فتحدد هي من يُسمح له بالتوقف على الطريق وانتظار صعود الركاب وملء مركبته قبل الانطلاق، مقابل خوّة يدفعها تحت طائلة التكسير. فتتحول الأملاك العامة لملك خاص صالح للإستثمار من قبل الأقوى، وإن تسبب ذلك بزحمة السير وبالإشكالات التي تنتهي أحياناً عراكاً بالأيدي أو حتى بإطلاق نار وسقوط جرحى. هي “فوضى منظمة” إذ تدرك الدولة وجود من يدير هذه الفوضى في غياب دور أساسي مركزي بتنظيمها وضبط قطاع النقل الذي يتوسع على حساب مصلحة النقل المشترك، لوزارة الداخلية وقوى الأمن الداخلي ووزارة الأشغال. وفي ظل تقصير هذه المؤسسات باتت سلطة الأمر الواقع أقوى من سلطة الدولة المنكفئة لصالح من يقف خلف هؤلاء الفانات المخالفة لقواعد وأنظمة السير، بل وبات من يقف خلفهم يفرض القيود على عمل الدولة، لا العكس.
كل ما سبق يبقى برسم الأجهزة الأمنية ووزارة الداخلية والبلديات، فتحقيق الأمن والسلامة في شوارع بيروت يتطلب تضافر الجهود بين الجهات الأمنية ووزارة الداخلية والمجتمع المدني، ليكون الهدف الرئيسي هو حماية حقوق المواطنين وضمان سلامتهم، وهذا يتطلب إجراءات صارمة ضد جميع المخالفين على غرار ما تم إجرائه منذ مدة بحق أصحاب الدراجات النارية والسيارات المخالفة لقواعد السير، بغض النظر عن حماياتهم أو علاقاتهم.