خاص الهديل
قهرمان مصطفى:
نعم، اُطلقت صافرة نهاية مباراة لبنان وبنغلادش ضمن التصفيات المؤهلة إلى كأسَي العالم 2026 وآسيا 2027، لتنهي معها مسيرة دولية ناصعة لقائد وأيقونة منتخب لبنان حسن معتوق، البالغ من العمر 37 عاماً بعد 18 عاماً قضاها مع منتخب لبنان منذ انطلاقته الأولى في 27 كانون الثاني عام 2006 حين ارتدى القميص الأغلى في اللقاء الودي مع منتخب السعودية.
تُعدّ مسيرة اللاعب الخلوق حسن معتوق درساً لكل من يرغب بأن يصبح لاعب كرة قدم بكل ما للكلمة من معنى. مسيرة شهدت بصمات للقدر، كما شهدت المعاناة والإصرار والالتزام والأخلاق، وكل ما يمكن أن يختبره لاعب كرة القدم. كل تلك الأشياء عاشها نجم كرة لبنان لتتشكّل شخصية استثنائية من الصعب أن تتكرر في تاريخ الكرة اللبنانية.
يُعدّ ابن قرية صير الغربية في جنوب لبنان، أفضل ما أنجبت كرة القدم اللبنانية في آخر ربع قرن، إلى جانب رضا عنتر ويوسف محمد. لاعب مهاري من الطراز الرفيع، قائد خجول ومحترف محنك.
قصة حياة معتوق الكروية تستحق الوقوف عندها طويلاً. بدأ حسن مشواره برعماً في ألمانيا التي وصلها عام 1989 بعمر الثانية، حيث انضم إلى نادي روت فايس إيسن ولفت أنظار نادي شالكه المعروف بأكاديميته المميزة. كان الطفل حسن قريباً جداً من ارتداء القميص الأزرق، حين لفت أنظار كشّافين من النادي المذكور. في ذلك كانت الحرب دائرة في لبنان وعائلة معتوق تعيش في ألمانيا، ويعمل الوالد على تأمين الأوراق القانونية كي تصبح إقامتهم دائمة وشرعية؛ لكن مداهمة للشرطة الألمانية قبل الانتهاء من إجراءات الأوراق القانونية أجبرت العائلة على العودة إلى لبنان، ليضيع بذلك حلم اللعب مع شالكه الألماني.
هي صدمة قد تقضي على أي لاعب في عمر معتوق. لكن ابن الثانية عشرة من العمر تخطى هذه الصدمة، وعاد إلى بلده ليزاول لعبته المفضلة من دون أن يرتبط بأي نادٍ.
لثلاث سنوات كان حسن معتوق مرهوناً بعدم التوقيع الأبدي لأي من الأندية اللبنانية، ويشير معتوق بذلك إلى أن التوقيع الأبدي كان العائق الوحيد أمام توقيعه مع الحكمة.
انضم الى تدريبات نادي الحكمة دون التوقيع على كشوفاته، بسبب قانون التوقيع الأبدي المعتمد في الأندية اللبنانية، ثم قادته الظروف الى التوقيع مع نادي العهد مقابل ألفي دولار أميركي، من أجل مساعدة والده في إصلاح حافلة نقل ركاب صغيرة كان يعمل عليها؛ حينها كان رأي الأكثرية بأن 2000 دولار مقابل توقيعه إضافة إلى 150 دولاراً شهرياً مبلغٌ كبير على معتوق. ليردّ المدرب جمال الحاج «اليوم ستدفعون 2000 دولار وبعد سنتين سيصبح ثمنه 200 ألف دولار».
انطلقت مسيرة اللاعب حسن معتوق في موسم 2005، وكانت إحدى أهم مبارياته ضد نادي شباب الحسين الأردني عندما دخل بديلا وقاد فريقه الى الفوز 4-2 بتسجيله هدفين على ملعب بيروت البلدي، وحينذاك كان عرابه جمال الحاج مدرباً مساعداً للأرميني تسوريك بارسخيان.
واصل تألقه بالقميص الأصفر وقاده في 2008 إلى أول ألقابه في الدوري، مكررا ذلك في 2010 و 2011.
التصفيات الآسيوية المؤهلة إلى مونديال البرازيل 2014، مثلت نقطة تحول في مسيرته، إذ شهدت ما سمي حينها “انتفاضة الكرة اللبنانية”، حيث كان معتوق المساهم الأول فيها بأهدافه وتمريراته لا سيما في مواجهة الإمارات 3-1 في بيروت. بعدها فتح باب الاحتراف أمامه، والتحق بعجمان الإماراتي. بعد الموسم الأول له مع الفريق الإماراتي تضاعفت قيمة معتوق السوقية عشرة أضعاف وتوالت العقود الاحترافية فلعب مع أندية الإمارات والشعب، ثم لأربع مواسم مع الفجيرة قبل أن يعود إلى لبنان.
بعد المشوار المخيب للبنان واخفاقه مرة جديدة بالتأهل لكأس العالم للمرة الأولى بتاريخه، رغم رفع عدد المشاركين إلى 48، إلا أن معتوق يودع المنتخب برأس مرفوعة، بعد خوضه حتى الآن 122 مباراة دولية سجل فيها 23 هدفاً قياسياً.
أنهى كابتن منتخب لبنان لكرة القدم ونجم أندية العهد والنجمة والأنصار حسن معتوق مشواره الدولي مع منتخب لبنان بقيادته بلاده إلى فوز كبير على بنغلادش بأربعة أهداف نظيفة في ختام مبارياته ضمن المجموعة التاسعة للتصفيات الآسيوية المزدوجة لمونديال 2026 وكأس آسيا 2027، في المباراة التي جمعتهما على استاد خليفة الدولي في الدوحة، كانت الأخيرة لمعتوق الذي كان أعلن اعتزاله اللعب دولياً قبل إنطلاق التصفيات ليعود ويشارك فيها بناء على تمنٍ من إتحاد اللعبة، وهو تم تكريمه قبل بداية اللقاء الذي حمل الرقم 123 له على الساحة الدولية، وتسلم قميصاً خاصاً زين بهذا الرقم ودرعاً تقديرية، إضافة إلى باقة من الورود قدمها إليه رفاقه في المنتخب.
ورفض نجم الكرة اللبنانية الكبير الذي بدأت مسيرته في ألمانيا، ترك المنتخب من دون فوز هو الأول له في التصفيات بعد خسارتين امام استراليا وثلاث تعادلات مع فلسطين مرتين وبنغلادش، ليسجل في آخر مبارياته “هاتريك” ليرفع رصيد أهدافه الدولية إلى 26 هدفاً، معززاً رقمه كأفضل هداف في تاريخ المنتخب اللبناني.
صحيح أن المباراة مع بنغلادش كانت الأخيرة لمعتوق دولياً، لكنها لن تكون الأخيرة كروياً. حيث يرى معتوق أنه سيستمر في الملاعب اللبنانية طالما هو قادر على العطاء. أما بالنسبة إلى المستقبل بعد اعتزاله كرة القدم، يرى معتوق نفسه في مكان مختلف كلياً. “منشأة رياضية وأكاديمية مختلفة عمّا هو سائد. أكاديمية تهتم بالمواهب وتضع الأولاد في المكان المناسب وعلى الطريق الصحيح في لبنان والخارج”.