خاص الهديل:
بقلم: ناصر شرارة
منذ لقاء الرئيس الفرنسي ماكرون في النورماندي مع الرئيس الأميركي بايدن نهاية الأسبوع الماضي حتى يوم أمس عندما أطلق الأول مبادرة إنشاء لجنة اتصال قوامها تل أبيب وباريس وواشنطن لتخفيف التصعيد العسكري على جبهة المواجهات الجارية عند الحدود اللبنانية الفلسطينية المحتلة، جرت مياه كثيرة في نهر الإليزيه السياسي..
نهاية الأسبوع الماضي أوجز الرئيسين الفرنسي والأميركي أمام الصحفيين في النورماندي رؤيتهما المشتركة لمشاكل العالم. وصف بايدن فرنسا بأنها أفضل حليفة للولايات المتحدة الأميركية ورد ماكرون بمجاملات مماثلة. وهذا الإطراء المتبادل كان يريد إيصال رسالة تقول أن كلاً من باريس وواشنطن اجتازا مرحلة الفتور التي مرت عليهما نتيجة ما عرف بأزمة الغواصات الأسترالية.
وخلال الإيجاز الصحفي الذي لم يتضمن إستقبال أسئلة من الصحفيين قال الرئيسان ما يرغبان فقط بقوله عن أوكرانيا وعن موقف أوروبا من الحرب هناك، الخ.. ؛ ولكن أيضاً تحدث ماكرون عن التصعيد بين إسرائيل ولبنان وقال أنه سيتم العمل بعجالة من أجل تخفيف تصاعد التوتر القائم هناك. صحيح أن بايدن لم يتطرق في إيجازه الصحفي لهذه النقطة؛ لكن بمجرد أن ماكرون طرحها، فهذا يعني أنهما متوافقان عليها، ذلك أن الرجلين يعيشان لحظة الانتقال بعلاقتهما من الفتور إلى إرساء تفاهم كبير بينهما.
وكان مراقبون توقعوا أن يجد كلام ماكرون عن وساطة عاجلة لتخفيف التصعيد على جبهة جنوب لبنان مع إسرائيل؛ ترجمة سياسية مشتركة فرنسية أميركية عاجلة.. لكن هذا التوقع ساده بعض التشويش كونه بعد أقل من ٢٤ ساعة من إعلانه حصل زلزال أوروبا السياسي الذي تمثل باكتساح اليمين المتطرف لنسبة عالية من مقاعد البرلمان الأوروبي ما قاد ماكرون إلى حل البرلمان الفرنسي والدعوة لانتخابات مبكرة؛ الأمر الذي عنى أن ماكرون سينشغل بالهم الفرنسي الداخلي على حساب تخصيص وقت من قبله للاهتمام بإنشاء مبادرة بين لبنان وإسرائيل.
.. ولكن ماكرون فاجأ الجميع بإطلاق مبادرة النورماندي أمس تجاه لبنان وإسرائيل؛ ولكن ماكرون بدوره تفاجأ برفض وزير الدفاع الإسرائيلي لمبادرته؛ واعتراضه على منح دور وساطة لفرنسا.
.. وبعيداً عن تحليل أسباب رفض غالانت لمبادرة ماكرون؛ فإنه يجدر التوقف قليلاً عند ما تعنيه ما يمكن تسميته بمبادرة النورماندي التي أطلقها الرئيس الفرنسي أمس؟؟:
أولاً- هذه المبادرة منسقة مع بايدن تحديداً؛ بدليل أنه خلال الإيجاز الصحفي للرئيسين الذي عرضا فيه نقاط التفاهمات العميقة بينهما؛ وذلك عقب اجتماعهما في النورماندي؛ قال ماكرون أنهما بصدد تحرك عاجل لتخفيف التوتر بين إسرائيل وحزب الله. وعليه يصبح بالإمكان الجزم بأن مبادرة ماكرون تمثل أيضاً بايدن؛ ولكن الأخير يتحاشى إظهار مشاركته العلنية فيها؛ كونه لا يريد أن يكون طرفاً مباشراً بالتواصل في محادثات فيها حزب الله؛ ولذلك فهو سيترك دور الصدارة في هذه المبادرة لماكرون الراغب أصلاً بحماس للعب هذا الدور.
ثانياً- الفكرة الجديدة في مبادرة ماكرون هو اقتراحه إنشاء لجنة اتصال ثلاثية هدفها بحث مسألة تصاعد المواجهات الجارية على الحدود بين لبنان وإسرائيل وإبقائها تحت سقف عدم تحولها لحرب شاملة؛ ومنطقياً فإن هذه الفكرة ليست من بنات أفكار ماكرون لوحده، بل يفترض أنها ولدت خلال لقاء النورماندي بين الرئيسين الأميركي والفرنسي.
ومن حيث المبدأ يبدو أن هناك شبهاً بين فكرة لجنة الاتصال الثلاثية بخصوص أزمة لبنان – إسرائيل، وبين فكرة منصة أسيتانا التي أنشأتها إيران وروسيا وتركيا لمتابعة ملف الحرب السورية. فالثانية (منصة أسيتانا) أرادت تركيب آلية إقليمية لفرملة توسع نتائج الحرب في سورية وإبقائها تحت سيطرة القوى الكبرى المتدخلة فيها، والأولى (لجنة الاتصال الثلاثية المقترحة) تريد إنشاء منصة دولية تؤدي دور إبقاء التطورات العسكرية على جبهة الشمال الإسرائيلية مع لبنان مضبوطة؛ وتحت سيطرة دولية سياسية تتجاوز دور اليونيفيل في الناقورة؛ وبهذا المعنى فإن المطلوب إبقاء المواجهات بين إسرائيل والحزب قيد متابعة دولية فرنسية أميركية مع إسرائيل ولبنان، تشبه المتابعة التي قامت بها منصة أسيتانا لأزمة الحرب السورية.
ثالثاً- لا شك أن الفكرة تواجه تحدي الظرف الخاص الذي يمر به طرفا المبادرة العلني (ماكرون) والمضمر (بايدن)؛ ولكن مع ذلك يبدو أن هناك إصراراً من الطرفين على الإهتمام بعمل شيء من أجل حصر النيران اللبنانية الإسرائيلية؛ وهذا ما يفسر لماذا خرج ماكرون من همه الأوروبي والفرنسي ليطل على الهم اللبناني؛ ولماذا قرر بايدن إرسال هوكشتاين إلى إسرائيل رغم أن إدارته متفرغة للهم الانتخابي الرئاسي المر.
والسؤال الذي هناك انتظار كبير له في لبنان هو هل يصل هوكشتاين فعلاً الأسبوع المقبل إلى إسرائيل كما سرب مصدر صحفي مهم؛ وهل يتزامن ذلك مع وصول لودريان إلى بيروت؟!!.