خاص الهديل:
بقلم: ناصر شرارة
للمرة الثالثة خلال حرب طوفان الأقصى تتحول مدرعة النمر التي صممت لتحمي الجنود بداخلها إلى تابوت حقيقي.
ثمانية جنود وضباط إسرائيليون قتلوا أمس جراء نجاح المقاومة الفلسطينية بتفجير مدرعة من طراز النمر كانوا يستقلونها خلال تنفيذ عملية عسكرية في منطقة تلة سلطان في رفح..
الملاحظة الأولى هي أن عملية قتل الجنود الثمانية أمس كانت سبقتها قبل أقل من أسبوع عملية تفجير منزل في رفح دخله أربعة جنود إسرائيليين، ما أدى لمقتلهم.
يلاحظ أن عدد القتلى من الجنود الإسرائيليين الذين سقطوا ويسقطون في منطقة رفح هو الأعلى قياساً بعدد قتلى الجنود الإسرائيليين الذين سقطوا ويسقطون في مناطق شمال غزة أو في وسطها أو في جنوبها!!.
.. بالأساس كانت هناك تقارير صحفية إسرائيلية منسوبة لمصادر عسكرية توقعت قبل شهرين بأن حماس أعدت للجيش الإسرائيلي في رفح مقاومة أشد ضراوة وتركيزاً من تلك التي أعدتها في شمال وجنوب ووسط القطاع؛ فمنطقة رفح لها خصوصيات كونها تقع على الحدود مع مصر، وكونها تشتمل على محور فلادليفيا الذي بموجب اتفاق كمب ديفيد لا يجب على الجيش الإسرائيلي التواجد فيه؛ وبالتالي فإن دخول الجيش الإسرائيلي إلى رفح يقوده إلى التواجد في منطقة الخطوط الحمر الغزاوية والمصرية والدولية والإقليمية، ما يجعله في مصيدة لا يمكن معرفة نوع الطعم السام المعد فيها؛ هل هو (أي الطعم) فقط “حماساوي”، أم هو “مزيج من مكونات كثيرة وتقاطعات عديدة”؟!.
الملاحظة الثانية تقود إلى “مدرعة النمر” ذاتها التي تبلغ كلفة تصنيع المركبة الواحدة منها، ربع مليون دولار؛ وقد زودت بأجهزة تكنولوجية حديثة وتم تصفيحها على نحو يحميها من استهدافها بالصواريخ والمتفجرات.. بإختصار مدرعة النمر كان لها داخل العقيدة الأمنية الإسرائيلية ثلاث وظائف هامة؛ ١- تقديم حل عملي حول كيف يخوض الجيش حروباً برية من دون أن يكلفه ذلك دفع أثمان بشرية باهظة أو حتى متوسطة؛ ٢- كيف يصبح سلاح البر له نفس قوة سلاح الجو؛ وذلك لجهة أنه يستطيع التواجد في الميدان لكسب الحرب على الأرض؛ لأنه تبين بالملموس أنه يمكن تدمير الهدف من الجو، ولكن لا يمكن زرع علم الانتصار عليه إلا من خلال القوات البرية التي عليها التواجد فوقه على الأرض.. ولقد تم على نطاق واسع خلال الفترة الأخيرة، الاعتقاد في إسرائيل أن مدرعة النمر حلت جزءاً ليس قليلاً من هذه الإشكالية؛ وصار بوسع القوات البرية ان تتكامل مع القوات الجوية في تجسيد “صورة النصر” من خلال رسم طريق يبدأ بتدمير الهدف من الجو والسيطرة عليه من الأرض؛ ٣- مدرعة النمر تحتوي على عاملين إثنين مهمين بحسب مصممها الإسرائيلي: الأول هو عامل الحماية الفائقة والثاني هو عامل التطور التكنولوجي العالي.. والواقع أن هذين العاملين هما المصدران اللذان من دون توفرهما تصبح كل العقيدة الأمنية الإسرائيلية محل إرباك شديد.
المشكلة اليوم الذي تواجه إسرائيل هي: “مصير مدرعة النمر”؟؟، أي مصير الحماية المقدمة للجندي الإسرائيلي في البر (؟؟)، وعلى مستوى أكبر: مصير التكامل بين سلاحي البر والجو لتجسيد صورة النصر على الهدف والاستحواذ عليه، وليس فقط تدمير الهدف من الجو؛ وعدم وجود قدرة على استئصاله كقوة معادية قابلة لإعادة ترميمها.
إن جملة التفاصيل العسكرية والنفسية اليومية التي تواجه الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، تبعث إليه برسالة واضحة وهي أنه جيش احتلال يواجه مقاومة، وأن التاريخ يقول أنه لا يوجد في تاريخ العالم واقعة واحدة تقول أن جيش الاحتلال يمكنه النصر على المقاومة.. وتقول الرسالة عينها أن حماس مقاومة وتعبير أساسي من تعبيرات مقاومة الشعب الفلسطيني وهكذا يجب النظر إليها عسكرياً وسياسياً؛ وعليه فهي ليست جيشاً تقليدياً يتم احتساب قوته بعدد جنوده ومدرعاته؛ والخلاصة هنا تفيد بأن الاستراتيجية الإسرائيلية القائلة بأن حماس هي ٣٢ كتيبة عسكرية، وأنه سيتم القضاء عليها بمجرد القضاء على هذه الكتائب ال٣٢، هي فكرة ليست فقط غير صحيحة؛ بل مجنونة. والاستمرار فيها سيقود لتقويض الجيش الإسرائيلي، وليس القضاء على حماس.